سوف يكون موضوع هذا المقال عن التطور التاريخي للقانون الاجتماعي وتعريفه
أولا :تعريف القانون الاجتماعي:
يعتبر القانون الاجتماعي فرعا من فروع القانون الأكثر حداثة في نشأته،
إذ ظهر في ظل الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا، ومع ظهور الآلة وانتشار
استعمالها في المجالات الصناعية والفلاحية والتجارية، حيث أصبح من الضروري
إيجاد قانون غايته الأساسية حماية الأجير، وهو الأمر الذي سعت إليه الحركات
العمالية وناضلت من أجل تحقيقه. وعرفه الفقه الفرنسي بأنه:" القانون الذي ينظم
العلاقات الناشئة عن عقد الشغل". يعتبر هذا التعريف قاصر لأنه يتحدث لنا عن
قانون الشغل فقط ولا يتحدث عن القوانين الاجتماعية، كما أنه تعريف ضيق من خلال
أنه يحصر مجال القانون الاجتماعي في تنظيم أثار عقد الشغل، أي أنه لا يشمل
تنظيم علاقات الشغل الجماعية، كذلك هو تعريف نسبي لأن مواضيع ومجالات القانون
الاجتماعي أخذت تتوسع وتتطور لأنه يمكن أن يشتمل التكوين المهني و يمكن أن
يتضمن موضوع هجرة اليد العاملة، أي أن موضوعات القانون الاجتماعي تتطور. كذلك
عرف الفقه المصري، القانون الاجتماعي بانه " القانون الذي ينظم العمل التابع"،
أي هو كل عمل يجمع بين طرفين أحدهما مدين بأداء الأجر والطرف الثاني مدين بأداء
العمل أي العلاقة التي تجمع بين الأجير والمشغل، أي أن الأجير يتبع المشغل من
خلال علاقة التبعية، ويسجل كذلك على هذا التعريف بعض الملاحظات منها انه يركز
على علاقة التبيعة في تحديد المجال الاجتماعي، كذلك أن هذا التعريف لا يتحدث عن
العناصر االخرى في عقد الشغل، من خلال هذا التعريف نستنتج انه يشكل خلطا بين
القطاع العام والقطاع الخاص . بعدما أشرنا إلى التعاريف التي أعطيت للقانون
الاجتماعي في الفقه الفرنسي او المصري سنتطرق الى تعريف الفقه
المغربي للقانون الاجتماعي، وقد عرفه احد الفقه بأنه" مجموعة القواعد القانونية
التي تنظم علاقات العمل الفردية والجماعية الناشئة بين المؤاجرين الخواص ومن
يمثلهم من جهة، ومن يشتغل تحت إشرافهم وسلطتهم من جهة أخرى مقابل أجر وكذلك
القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي". إذن من خلال هذا التعريف نجده قد تجاوز
كل الانتقادات الموجهة للتعاريف التي سبقت الإشارة إليها. وما يجب التنبيه إليه
في هذا الإطار أن القانون الاجتماعي في ظل التشريع المغربي يشمل كل
من:
-ظهير شريف رقم 190-14-1صادر في ربيع الأول 1436 (29دجنبر 2014)
بتنفيذ القانون رقم 18-12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
- الظهير الشريف بمثابة القانون رقم 184-72-1 بتاريخ 15 جمادى
الثانية1392(27يوليوز1972) الذي يتعلق بنظام الضمان الاجتماعي.
-ظهير شريف رقم194-03-1 صادر في14 رجب 1424 (11شتنبر2003) بتنفيذ القانون
رقم99-65 المتعلق بمدونة الشغل.
وهذه القوانين الثلاثة غايتها واحدة هي حماية الأجراء والحفاظ على المكتسبات
التي راكمتها الحركات العمالية منذ نشأتها بالمغرب.
ثانيا : التطور التاريخي لقانون الشغل بالمغرب:
لقد عرف قانون الشغل بالمغرب في صيرورته التاريخية محطات متعددة، تتمثل
أساسا في مرحلة ماقبل الاستعمار ثم مرحلة الاحتلال وبعدها مرحلة الاستقلال
وصولا إلى إقرار مدونة الشغل.
أ- مرحلة ما قبل الاحتلال:
لم يعرف المغرب قبل الاحتلال تنظيم قانوني للشغل بالمفهوم السائد حاليا،
إنما كانت علاقات الشغل آنذاك منظمة بموجب قواعد الفقه الاسلامي، فعقد
الإجارة في الاسلام إلى جانب بعض العادات والأعراف المحلية، كان القانون الذي
يحكم وينظم العلاقات الشغلية منذ دخول الدين الإسلامي إلى المغرب. فقد كان
المغرب آنذاك مغربا فلاحيا حيث أن اغلبية سكانه يشتغلون بالزراعة والفلاحة
والرعي على مستوى البوادي، أما الحرف فقد كانت منظمة في المدن في إطار طوائف
مهنية على غرار ما كان عليه الأمر بأوروبا، فالطوائف المهنية بالمغرب كانت
تعرف تسلسلا هرميا من حيث تنظيمها يبتدئ بالمعلم ثم الصانع ثم المتعلم،
ويوجد على رأس كل حرفة أمين عارف بالحرفة يسهر على تنظيمها ويساهم في فض
الخلافات التي قد تحدث بين أصحاب المهنة أو بينهم، وبين من يشتغلون لحسابهم،
مستندا في ذلك على قواعد الفقه الاسلامي وأعراف المهنة. وفي حالة عجز الامين
عن فض النزاع يتم اللجوء للمحتسب، هذا الاخير كان يعتبر بمثابة مؤسسة تحكيمية
ذات مرجعية دينية هدفها فض النزاعات الشغلية.
ب-مرحلة الاحتلال:
مع دخول الاحتلال للمغرب بدأت قواعد الفقه الاسلامي ومعها نظام
الطوائف الذي كان ينظم علاقات الشغل في التراجع، خاصة بعد صدور قانون
الالتزامات والعقود الذي نظم عقد إجارة الخدمة في الفصول 204 من ق.ل.ع الذي
عرف إجارة الخدمة أنها:" عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته
الشخصية لأجل محدد أو من أجل اداء عمل معين، في نظير أجر يلتزم هذا الأخير
بدفعه له". لكن تطور وازدياد أفراد الطبقة العاملة سواء من المغاربة او
الوافدين مع الاحتلال الفرنسي في المغرب، وازدهار المشاريع الصناعية واتساع
دائرة العمال التجارية، كان لزاما على مشرع الاحتلال التدخل عن طريق إصدار
مجموعة من القوانين التي تحكم وتنظم العلاقات الشغلية، خاصة بعد ان أصبحت
القواعد القانونية المنظمة لعقد إجارة الخدمة غير قادرة على استيعاب مجموع
التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب، لأجل ذلك عمل المشرع على
إصدار العديد من التشريعات المنظمة للعلاقات الشغلية في تلك الفترة نذكر
منها:
-ظهير 27 شتنبر 1921 المنظم لمكاتب الشغل، كذلك ظهير 13 يوليوز 1926 المتعلق
بتنظيم الشغل في المؤسسات الصناعية والتجارية وتنظيم الاجور.
-ظهير 25 يونيو 1927 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
ت-مرحلة الاستقلال:
تماشيا مع التطورات الصناعية والاقتصادية، التي كان يعرفها المغرب من جهة،
ونظرا لعدم ملائمة بعض القوانين التي عملت سلطات الاحتلال على إصدارها حماية
لحقوق رعاياها من جهة اخرى، عمل المشرع على إصدار مجموعة من النصوص التشريعية
خلال هذه الفترة:
-ظهير 17أبريل 1957 المتعلق بالاتفاقيات الجماعية.
-ظهير 19 أبريل 1957 المتعلق بإنشاء محاكم الشغل.
-ظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية .
وغيرها من الظهائر الصادرة في تلك الفترة. إذن ما يمكن قوله عن هذه الفترة
هو ان المشرع المغربي عمل على توحيد القانون الاجتماعي وتطبيقه على كل
المغاربة واذا أردنا الوقوف على تطور القانون الاجتماعي في مرحلة الاستقلال
يمكن ان نقف عند ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي مرحلة ما قبل الاعداد لصدور
مدونة الشغل وتميزت هذه المرحلة بكثرة النصوص القانونية الصادرة حيث كانت
غاية المشرع هي سد الفراغ التشريعي الذي كان سائدا، ثم نجد مرحلة
الإعداد لصدور مدونة الشغل حيث تميزت هذه المرحلة بكثرة الصيغ التي وضعت
لمدونة الشغل حيث تعددت النقاشات والمداولات من أجل صدور مدونة الشغل حيث دام
النقاش والصيغ الصادرة 49 سنة حيث أن مدونة الشغل هي الصيغة السادسة للصيغ
المرتبطة بمدونة الشغل، أي أن خمس صيغ لم يكتب لها الخروج إلى حيز الوجود
ولاشك أن عوامل متعددة كانت وراء التفكير في إيجاد مدونة جامعة مانعة لاحكام
العلاقة الشغلية، سواء على المستوى الدولي بغرض تشجيع الاستثمار، أو على
المستوى الداخلي من خلال ضغط المنظمات المهنية. والحقيقة أن صدور
مدونة الشغل في شكلها الحالي قد مر بمرحلة عسيرة قبل خروجها، حيث أننا
انتظرنا من سنة 1965 إلى 2004 أي 49 سنة لصدورها، أي أن النص القانوني الذي
صدر استهلك زمنا قانونيا تشريعيا غير مقبول، ومنذ تاريخ صدور مدونة
الشغل إلى اليوم يسجل الفقه عدة ملاحظات على مدونة الشغل من قبيل أن هناك
صعوبة في تطبيق موادها، وكذلك تضخم القواعد القانونية المنظمة للقانون
الاجتماعي. ونشير إلى الصيغ العديدة التي مرت بها مرحلة صدور مدونة الشغل
1965و1979و1993و1994و1995.
ثم انتظرالمغاربة إلى سنة 2000 ليصبح لديهم مشروع مدونة الشغل في صيغة
متوافق عليها بين الفرقاء الاجتماعيين،وهذه الصيغة هي السادسة التي صدرت سنة
2003 ودخلت حيز التطبيق سنة 2004.