في هذا المقال سنتناول موضوع عن أركان عقد البيع وفق المنهجية التالية:
المبحث الأول: أركان عقد البيع:
المطلب الأول: عنصر التراضي:
الفقرة الأولى:مضمون التراضي في عقد البيع:
الفقرة الثانية: التعبير عن التراضي:
الفقرة الثالثة: عدم كفاية التراضي لتمام بيوع معينة أو بتعبير آخر البيوع الشكلية:
أولا: البيوع العقارية عامة:
ثانيا : العقار في طور الإنجاز:
الفقرة الرابعة:صحة التراضي في عقد البيع:
أولا: حالة بيع المريض مرض الموت:
1-المقصود بمرض الموت:
2-شروط اعتبار المرض مرض الموت:
3-شروط تطبيق أحكام بيع مرض الموت:
4-أحكام بيع مرض الموت:
-الحالة الأولى: البيع لوارث بقصد المحاباة:
-الحالة الثانية: البيع لغير الوارث:
ثانيا: الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية:
ثالثا : الشخص المحجوز عليه تحفظيا:
المطلب الثاني: الشيء المبيع:
الفقرة الأولى: أن يكون المبيع موجودا أو قابلا للوجود:
أولا: وجود الشيء المبيع:
ثانيا : قابلية الشيء المبيع للوجود:
الفقرة الثانية: ضرورة تعيين المبيع أو قابليته للتعيين:
أولا: تعيين المبيع:
1- تعيين الاشياء القيمية:
2 - تعيين الاشياء المثلية:
3-البيع الجزافي:
4- البيوع في عقد الخيار:
ثانيا:قابلية المبيع للتعيين:
الفقرة الثالثة:جواز التعامل في الشيء المبيع:
الفقرة الرابعة :أن يكون المبيع مملوكا للبائع:
المطلب الثالث: الثمن:
الفقرة الأولى: أن يكون نقديا:
الفقرة الثانية: أن يكون الثمن معينا أو قابلا للتعيين:
الفقرة الثالثة: عدالة الثمن وجديته:
المبحث الأول: أركان عقد البيع:
ينص الفصل 488 من قانون الإلتزامات والعقود على ما يلي "يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى"
نلاحظ من خلال هذا الفصل أن هناك ثلاثة عناصر مهمة وأساسية لقيام عقد البيع صحيحا وهي:
-عنصر التراضي.
-وجود الشيء المبيع.
-عنصر الثمن.
وعند غياب عنصر من هذه العناصر فإن العقد يكون باطلا.
من خلال هذه العناصر نلاحظ أن المشرع المغربي بمقتضى الفصل أعلاه لم يذكر السبب، ولكن هذا يعتبر أمرا عاديا ومنطقيا، لكونه لا يختلف في شيء من أحكامه المتعارف عليها في نظرية العقد.
المطلب الأول: عنصر التراضي:
عقد البيع يعتبر من العقود المكرسة لحرية الإرادة، حيث أنه لا أحد ملزم بالشراء أو البيع، لذلك فإنه يكفي لصحة هذا العقد الاتفاق بين المتعاقدين على العناصر الاساسية لعقد البيع، أما العناصر الثانوية فيمكن أن تكون محل اتفاق لاحق، وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 19 التي تنص على ما يلي "لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للإلتزام وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية".
الفقرة الأولى:مضمون التراضي في عقد البيع:
من خلال الفصل 488 من قانون الالتزامات والعقود، فالعقد ينشأ من حيث المبدأ بمجرد توافق إرادتي كل من البائع بالبيع والمشتري بالشراء، بحيث تتجه إرادتهما إلى إبرام عقد البيع ذاته دون غيره، ولو لم يحددا ذلك صراحة، فإذا كان كل من المتعاقدين يقصد عقدا غير الذي يقصده الآخر، فإن العقد لا يقوم أصلا لتعارض الإرادتين وعدم توافقهما على طبيعة العقد المراد إبرامه.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم توافق الإرادتين وتطابقهما حول العناصر الاساسية للعقد، وهي المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى، وإذا كان من حق المتعاقدين الاتفاق أن يكتفيا بالتزام أحدهما بنقل ملكية المبيع إلى الآخر مقابل التزام هذا الاخير بدفع المقابل النقدي، فينشأ العقد بذلك سليما صحيحا، على أن يتولى العرف والقانون حكم الشروط الأخرى، غير المثارة بين الأطراف في حال الإختلاف، وفي حالة إقدام المتعاقدين على إثارة أي من هذه الشروط، مهما كانت ثانوية يقتضي توافق الارادتين معا بشأنها، وإلا فإن العقد لا يقوم بالمرة.
ولما كانت الإرادة من الأمور النفسية المتمثلة في انعقاد العزم على إبرام تصرف معين بعد تدبر وتفكير، فإنه لا يعتد بها إلا إذا اتخذت صيغة دالة على المقصود بها بوضوح.
الفقرة الثانية: التعبير عن التراضي:
الاصل أن يتم التعبير عن الإرادة بالقول سواء في محضر المتعاقدين، أم في غيابهما كما لو تم التبايع بواسطة الهاتف أو الرسول أو غيرهما، لما يوفره ذلك من سرعة وسهولة... ولكن أهمية هذه الصيغة محدودة من الناحية العملية في البيوع الجارية، أي التي يتوقف عليها الناس في حياتهم المعيشية، أما بالنسبة للبيوع المهمة فإن المتعاقدين غالبا ما يتجهون إلى صياغة اتفاقاتهم كتابة، وذلك لأن هذا الشكل من التعبير عن الإرادة يوفر لهم ضمانات تتعلق بحماية الحقوق وإثباتها، فالعقود الشفوية تكتنفها مخاطر متعددة عند اختلاف الاطراف حول عناصرها وشروطها وسيل تنفيذها، إذ يصعب معها الوقوف على حقيقة إرادتهم والتعرف على مضمون اتفاقاتهم.وهذا الأمر يفتح المجال لكثرة المنازعات وتعقيد مهام القضاء، ثم أن هذه العقود الشفوية قد يترتب عنها ضياع الحقوق بأكملها، في حال إنكارها من قبل أحد الأطراف وذلك إذا تجاوزت قيمتها 10000 درهم، فلن يتأتى إثباتها لا بالشهادة ولا القرائن، فقد جاء في الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود على أن " الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية" وينبغي التأكيد على أن التجاء الاطراف إلى صياغة بيوعهم كتابة على سبيل الاحتياط، لا يغير شيئا من طبيعة هذه العقود إذ تظل على أصلها رضائية طالما أن الشكلية المتطلبة هنا لمجرد الإثبات فقط وليس للانعقاد.
على أن التعبير عن الإرادة قد يتم عن طريق الإشارات المتداولة عرفا، كالحركات المعهودة في بيوع المزاد العلني، أو الاشارة المفهومة للأخرس، كما قد يتم عن طريق اتخاذ أي موقف واضح الدلالة على الرضا بالعقد، سواء بشكل صريح كعرض السلع من أجل البيع، أم بشكل ضمني كالبدء في تنفيذ بنود العقد، أو عدم اعتراض المالك على إقدام الغير على بيع أمواله رغم حضوره أو علمه بذلك. والعالم اليوم يشهد تنوعا من حيث العقود المبرمة فبالإضافة إلى عقود البيع العادية التي تنعقد في الغالب بين متعاقدين حاضرين، ويتم التعبير عن الإرادة باللفظ أو الكتابة، فقد تطورت ظاهرة إبرام العقود وذلك بطريقة إلكترونية أي عن بعد، خصوصا أمام الانتشار الواسع الذي عرفته وسائل الاتصال الحديثة.
ولتنظيم التجارة الإلكترونية أصدر المشرع المغربي قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، حيث أنه صدر بموجب ظهير رقم 1.07.129 بتاريخ 30 نونبر2007. وهذا يجعل التراضي في البيوع الإلكترونية يجتاز نفس مراحل التراضي في البيوع التقليدية، وبالنسبة لخصوصيات التراضي في العقود الإلكترونية تستوجب إصدار قبول وفق شكل معين، حيث أن ينطلق بعرض إلكتروني ويرقى لمرتبة الإيجاب القانوني، ويعقبه قبول العرض من طرف الزبون القابل، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة تطابق الإرادتين.
الفقرة الثالثة: عدم كفاية التراضي لتمام بيوع معينة أو بتعبير آخر البيوع الشكلية:
إذا كان الأصل أن التراضي يكفي لتمام عقد البيع، أي بمجرد توافق إرادتي البائع والمشتري إلا أنه ثمة حالات استثنائية تزداد كثرة مع مرور الزمن يتوقف معها تكوين العقد أو ترتيبه لأثاره كليا أو جزئيا بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير على تحقق شكليات أو إنجاز إجراءات معينة، ويتعلق الأمر بالبيوع الواردة على العقارات أو الحقوق العقارية، أو بالعقارات في طور الإنجاز.
أولا: البيوع العقارية عامة:
ينص الفصل 489 من قانون الإلتزامات والعقود على أنه "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل وفق الشكل المحدد بمقتضى القانون".
ولقد اختلف الفقه والقضاء بخصوص هذا الفصل، فهناك اتجاه يقرأ هذا الفصل في سياق النظام التعاقدي العام في القانون المغربي، والقائم على أساس مبدأ سلطان الارادة وتحريرها من جميع القيود بما في ذلك فرض الشكلية على البيوع، في حين أن الإتجاه الآخر يرى أن بيع العقارات وغيرها من الحقوق يقتضي لزوما احترام شكلية الكتابة تحت طائلة البطلان، باعتبارها ركنا لانعقاد البيع، ويستند أنصار هذا الاتجاه القائل بشكلية العقد الوارد على العقارات على مقتضيات الفصل 489 أعلاه باعتباره واضح الدلالة على البيع في هذه الحالات هو عقد شكلي، بحيث لا يمكن أن يحتمل تفسيرا آخر إلا من باب التعسف، وأن الشكلية المتطلبة هي شكلية انعقاد وعند غيابها يكون العقد باطلا، ويتعذر التمسك به والمطالبة بإنفاذه أمام القضاء.
والإتجاه الاخير يعتبر في نظرنا الصائب لأن المبدأ العام الذي يقضي بإثبات الالتزامات يكون عن طريق الحجة الكتابية، وذلك كلما زاد مبلغها أو قيمتها عن عشرة آلاف درهم طبقا للفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود.
وأيضا استنادا للفقرة الأولى من المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه" يجب أن يحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض مالم ينص قانون خاص على خلاف ذلك".
وتجدر الاشارة إلى أن الاشخاص المؤهلون لكتابة العقود العقارية والحقوق العقارية هم العدول، الموثقون وأيضا المحامون المقبولون للترافع لدى محكمة النقض.
ثانيا : العقار في طور الإنجاز:
عملا بالظهير الشريف رقم 209.02.1 الصادر في 3 اكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 44.00 المتمم لقانون الالتزامات والعقود، أضاف المشرع إلى الباب المتعلق ببعض الأنواع الخاصة من البيوع، بيع العقار في طور الإنجاز. ويعتبر بيع العقار في طور الإنجاز في منطوق الفصل 618.1 من قانون الإلتزامات والعقود المتمم بموجب القانون رقم 44.00 "كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاء بإنجاز عقار داخل أجل محدد، كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن، تبعا لتقدم الأشغال ويحتفظ فيه البائع بحقوقه وصلاحياته باعتباره صاحب المشروع إلى غاية انتهاء الاشغال".
وقد حرص المشرع على أن يكون أكثر وضوحا بخصوص شكلية هذا البيع، حيث ورد في الفصل 18- على أنه "يجب أن يرد عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الانجاز إما في محرر رسمي أو في محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان". كما ينص الفصل 16-618 على أنه "يبرم عقد البيع النهائي طبقا لمقتضيات الفصل 3-618.."
وبهذا يكون المشرع المغربي قد قطع نهائيا أمام إمكانية امتداد الجدل القائم حول الفصل 498 من قانون الإلتزامات والعقود إلى هذا النوع من البيوع العقارية، ومن خلال الفصل 1-618 يكون تحرير عقود البيع من اختصاص محرري العقود الرسمية كالعدول والموثقين العصريين وكذا محرري العقود العرفية شريطة أن يكونوا منتمين لمهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها مهمة تحرير العقود.
الفقرة الرابعة:صحة التراضي في عقد البيع:
من أهم الشروط الواجبة والمطلوبة لصحة التراضي في العقد بوجه عام وعقد البيع بشكل خاص، أن يكون الشخص كامل الأهلية، سواء تعلق الأمر بالبائع أو المشتري، لذلك يتعين أن يكون كلا منهما قد بلغ سن الرشد القانوني .وقد كرس المشرع المغربي المنع من إبرام عقود البيع لعوائق متعددة لعل أهمها ما يتعلق
بحالة بيع المريض مرض الموت، وكذلك حالة الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية بالإضافة لحالة الشخص المحجوز عليه تحفظيا.
أولا: حالة بيع المريض مرض الموت:
1-المقصود بمرض الموت:
لم يقم المشرع المغربي بتعريف مرض الموت أو بتحديد المقصود منه، بينما محكمة النقض عرفته بأنه "حالة المريض المؤدية إلى إبطال الالتزام هي التي تكون فيها حرية المريض محدودة في إطار جد ضيق إلى درجة أنه لو كان له التصرف الطبيعي في ظروف عادية لما أعطى رضاه على فحوى العقد وشروطه".
وقد عرفه أحد الفقه بأنه "المرض الذي يكون معه المريض عاجزا عن القيام بمصالحه وقضاء حاجاته خارج المنزل إن كان رجلا، وداخل المنزل إن كان امراة، ويغلب فيه الهلاك ويتصل به الموت ولو بسبب آخر غير المرض سواء ألزمه الفراش أو لم يلزمه".
2-شروط اعتبار المرض مرض الموت:
من خلال التعاريف أعلاه يظهر أنه لا بد من توفر ثلاثة شروط لاعتبار المرض مرض الموت :
-أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه: ومؤدى ذلك أن يستحكم المرض بالشخص لدرجة يعجز معها عن القيام بمهامه المعتادة، كممارسته مهنته أو ارتياد الاسواق والاماكن العامة، ولا يعتبر من هذا القبيل ملازمة الشخص لمنزله بسبب الشيخوخة وكبر السن لأن ذلك ليس سوى دور من الأدوار الطبيعية لحياة الانسان وليس من الضروري أيضا أن يكون المريض طريح الفراش.
-أن يكون المرض خطيرا: بمعنى أن يكون من نوع الامراض التي تؤدي في الغالب لهلاك المصاب بها، كما هو الشأن بالنسبة للسرطان والسيدا والإصابات القاتلة وغيرها، أما إذا كان المرض مما لا ينجم عنه الموت في المعتاد، فلا يدخل في مجال مرض الموت، ولو ترتب عنه عجز مقعد عن العمل كالشلل الجزئي أو فقدان بعض الاعضاء والأمر متروك للقضاء في تقديره للمرض، ونشير إلى أن بعض التشريعات تلحق بمرض الموت الحالات التي يتصرف فيها الشخص تحت تأثير الاحساس بدنو أجله كالمحكوم بالإعدام والمقدم على الانتحار.
-أن ينتهي المرض بالموت: بحيث يستمر المريض على حاله دون شفاء إلى أن يتوفى، ولو بسبب آخر طارئ كالحريق.
3-شروط تطبيق أحكام بيع مرض الموت:
ينص الفصل 479 من قانون الإلتزامات والعقود على أن "البيع المعقود من المريض في مرض موته تطبق عليه أحكام الفصل 344، إذا أجري لأحد ورثته بقصد محاباته، كما بيع له شيء بثمن يقل كثيرا عن قيمته الحقيقية، أو اشترى منه شيء بثمن يجاوز قيمته.
أما البيع المعقود من المريض لغير وارث فتطبق عليه أحكام الفصل 345".
من خلال هذا الفصل يتبين أنه لتطبيق أحكامه لا بد من توافر ثلاثة شروط أساسية:
-أن يتعلق الأمر بعقد بيع.
-أن يحصل البيع من المريض في فترة مرض الموت.
-أن يحصل البيع أو الشراء بهدف المحاباة وذلك أنه بدون عنصر المحاباة فإن بيع المريض مرض الموت يعتبر بيعا صحيحا، سواء كان لوارث أو لغير وارث، حيث أنه لا
حجر عليه في التصرفات أو المعاملات لعوض.
وإذا كانت مقتضيات الفصل 479 من قانون الإلتزامات والعقود تقررت لتحقيق حماية مهمة لمصلحة الورثة بالخصوص، فإن القضاء المغربي سلك موقفا أدى إلى تعطيل هذا النص على مستوى الممارسة العملية، ذلك أنه باعتماده على قاعدة الأتمية أدى إلى تبرير صحة تصرفات المريض مرض الموت ،حيث ذهب المجلس الأعلى محكمة النقض حاليا في قرار له بتاريخ 1 نونبر 2000 على"... إن عقد الشراء المطلوب إبطاله حرره عدلان يشهدان بالأتمية، والأتمية شرعا هي الطوع والرضاء وصحة العقل والبدن، وأن رسم الشراء الذي يحرره عدلان يعتبر ورقة رسمية عملا بمقتضيات الفصل 418 من قانون الإلتزامات والعقود، وأنها حجة قطعية حتى على الغير ،وأن المحكمة لما ذهبت في هذا الإتجاه في تعليلها لقضائها يكون عقد الشراء المحتج به قد أبرم بين الهالك والمستأنف عليه بتاريخ 3 غشت 1995 وقد شهد عليه بالأتمية وقبض الثمن من طرف مورثهم..".
ويرى أحد الفقه أنه بالإضافة لتمسك القضاء بقاعدة الأتمية، فإن هناك سبب آخر لتعطيل الفصل 479 من قانون الإلتزامات والعقود يتمثل في الحفاظ على استقرار المعاملات. لكن هذا التعطيل القضائي لمقتضيات الفصل 479 فيه خروج عن المنطق القانوني وذلك لعدة اعتبارات منها :
-أن تضمين الرسم العدلي العبارة الأتمية لا يمكن أن تحل مطلقا محل الخبرة الطبية التي تؤكد الحالة الصحية للمريض خلال إبرام البيع.
-أن شهادة العدلين تقتصر على الظاهر فقط في حين أن كثيرا من حالات المرض تكون مسألة نفسية لا يستطيع العدل معرفتها.
يشترط في الوقائع التي تتمتع بالحجية المطلقة أن تكون مما يدخل ضمن الاختصاصات التي أسندها المشرع للعدلين، فإن تجاوزها انعدمت تلك الحجية، ويمكن إثبات عكس ذلك بكافة وسائل الاثبات.
4-أحكام بيع مرض الموت:
إن البيع الذي يجريه المريض مرض الموت يتوقف حكمه وآثاره على من أجري التصرف لفائدته وذلك حسب حالتين، إما أن يتم البيع لوارث بقصد المحاباة، وإما أن يتم البيع لغير وارث.
-الحالة الأولى: البيع لوارث بقصد المحاباة:
المقصود بالوارث في جميع أحكام بيع المريض مرض الموت هو من يكون وارثا وقت موت المورث، ولو لم يكن وارثا وقت البيع، أما من كان وارثا وقت البيع وتبت أنه غير وارث وقت موت المورث، فلا يعتبر وارثا في هذه الأحكام، فمثلا إذا لم يكن للمورث وقت البيع سوى بنت وزوجة وأخت، ثم رزق بعد البيع مولودا ذكرا اعتبر الابن وارثا ولو أنه لم يكن موجودا وقت البيع، ولم تعتبر الاخت وارثة لأنها لا ترث وقت الموت ولو أنها كانت تعتبر وارثة وقت البيع.
إذا تصرف البائع بدافع من الاحساس بدنو أجله لفائدة أحد ورثته، فإن تصرفه يخضع لحكم الفصل 344 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على "أن الإبراء الحاصل من المريض في مرض موته لأحد ورثته من كل أو بعض ما هو مستحق عليه، لا يصح إلا إذا أقره باقي الورثة".
ويشترط لإعمال هذا الحكم أن يكون البيع قد تم للوارث بقصد المحاباة والتفضيل عن بقية الورثة الآخرين، الذي يتعلق حقهم بأموال مورثهم، وتثبت المحاباة إذا تخلل البيع غبن ملحوظ، بحيث إذا باع المريض للوارث بثمن بخس أو اشترى منه بثمن جد مرتفع، وكل ذلك إضرارا ببقية الورثة، أما إذا كان البيع أو التصرف عاديا، فإنه ينشأ صحيحا مرتبا لجميع أثاره وبالتالي يكون ملزما للجميع.
-الحالة الثانية: البيع لغير الوارث:
في هذه الحالة تطبق أحكام الفصل 345 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على "أن الإبراء الذي يمنحه المريض في مرض موته لغير وارث يصح في حدود ثلث ما يبقى في تركته بعد سداد ديونه ومصروفات جنازته".
وهكذا فإن البيع الذي يتم خلال مرض الموت لفائدة أحد من الاغيار لا ينفذ في حق الورثة ولا يصح إلا في حدود الثلث من تركة المريض المتوفى، بعد أن يخصم منها مبلغ ديونه ومصروفات جنازته، ويسري هذا الحكم سواء كان البيع قد تم بقصد المحاباة أم كان عاديا لا غبن فيه.
ثانيا: الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية:
تنص المادة 38 من القانون الجنائي على أن "الحجر القانوني يحرم المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية.
وله في جميع الاحوال أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق تحت إشراف الوصي القضائي المعين في احكام الفصل التالي".
وبالرجوع إلى الفصل الموالي أي الفصل 39 نجده ينص على أنه "يعين وفق الاجراءات المقررة في شأن المحجورين القضائيين، وصي للإشراف على إدارة أموال المحكوم عليه أثناء وجوده في حالة الحجر القانوني، فإذا كان المحكوم عليه قد اختار وكيلا لمباشرة تلك الإدارة، فإنه يكون تحت إشراف الوصي ومسؤولا أمامه، وفي غير هذه الحالة يتولى الوصي بنفسه مباشرة تلك الإدارة. ولا يجوز طوال مدة العقوبة أن يسلم للمحجور القانوني أي مبلغ من مدخولاته، من غير المقادير الخاصة بالمعيشة في حدود ما تسمح به إدارة السجون، وعند انتهاء العقوبة تعاد إلى المحجور أمواله ويقدم له الوصي الحساب عما قام به مدة إدارته.
ثالثا : الشخص المحجوز عليه تحفظيا:
يشكل الحجز التحفظي أحد أهم القيود التي تمنع الشخص المحجوز عليه تحفظيا من التصرف في المنقولات والعقارات الموضوعة تحت يد القضاء، تطبيقا للمادة 453 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على مايلي "لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ويكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر".
وتطبيقا لهذا الفصل ذهب القضاء المغربي، إلى أن كل تفويت سواء كان بعوض أو تبرعا في حالة وجود الحجز التحفظي يكون باطلا ومن ذلك قرار محكمة الاستئناف بتاريخ 25 شتنبر 1990 جاء فيه "وحيث تبين من شهادة المحافظ على الاملاك العقارية والرهون أن الرسم العقاري عدد ... مثقل بحجز تحفظي بتاريخ... وبحجز تحفظي بتاريخ... وتقييد احتياطي بتاريخ .... ويعتبر هذا التقييد ساري المفعول إلى غاية صدور حكم نهائي.
وبمقتضى الفصل 453 من قانون المسطرة المدينة فإن كل تفويت سواء تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز يكون باطلا وعديم الأثر.
المطلب الثاني: الشيء المبيع:
يعتبر الشيء المبيع من الأركان الأساسية لصحة عقد البيع، فهو محل التزام البائع في مقابل التزام المشتري بدفع الثمن، وبالرغم من أن المشرع قد خص الشيء المبيع بالعديد من النصوص الخاصة كما هو الشأن للفصلين 488 و 489 من قانون الإلتزامات والعقود، وهو يخضع لأحكام محل الالتزامات التعاقدية بوجه عام. إذ يشترط أن يكون المبيع موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل، وأن يكون معينا أو قابلا للتعيين، وأن يكون مشروعا يدخل ضمن دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها.
الفقرة الأولى: أن يكون المبيع موجودا أو قابلا للوجود:
من الضروري أن يشير الاتفاق على البيع إلى وجود الشيء المبيع وقت التعاقد، أو قابلا للوجود فيما بعد.
أولا: وجود الشيء المبيع:
يقصد بذلك أن تكون الأشياء أو الحقوق المبيعة قائمة بذاتها وأوصافها وحدودها وغير مستحيلة وقت البيع، حيث تكون وقت التعاقد قائمة بذاتها وبالإمكان نقل ملكيتها للمشتري وبالتالي فهذا الشرط يقتضي وجود الشيء المبيع أثناء إبرام العقد وإلا كان البيع باطلا
لتخلف أحد أركانه الجوهرية، لكن قد ينعقد العقد بتوفر كل الشروط إلا أنه استحال بعدئذ على البائع تسليم المبيع لهلاكه بقوة القانون ومن تم ينفسخ العقد، ويثبت للمشتري حق استرداد الثمن حتى لو دفعه أولا.
وفي الواقع العملي غالبا ما نجد أن الاتفاق على بيع أرض فلاحية أو ضيعة أو مصنع يشير إلى أن المشتري قد تحقق من وجود الشيء المبيع عن طريق رؤيته والطواف به، أو قد يكون عقد البيع واردا مثلا على شقة فيشير العقد إلى أن المشتري قد زار المبيع وعاين محتوياته ومرافقه.أما في بيع الأشياء المنقولة كالبضائع والسيارات يستطيع المشتري أن يتأكد من وجودها عن طريق رؤيتها ومراقبتها وفحصها، أو قد يكون عن طريق الوقوف على المستندات والرسوم والتصاميم والفواتير التي تثبت وجودها الفعلي.ونتساءل عن كيفية التأكد من وجود الحق فيما يتعلق ببيع الحقوق الأخرى( كحق الارتفاق والانتفاع والسطحية..)، يتعين أن يشير الاتفاق إلى وجودها فعلا عن طريق الحديث عن وجود المحل الذي تنسحب إليه، فالحق مثلا في الانتفاع يدل عليه الأرض التي يرد عليها هذا الحق، وأيضا المعالم والأوصاف والحدود المبينة له في ضوء الوثائق المثبتة، ونعطي مثال آخر فيما يخص الحق في الهواء والتعلي ما يدل على الحق هو المكعب الهوائي الذي يرتفع فوق بناء قائم فعلا والمخصص لإقامة بناء جديد، وأيضا فيما يدل على حق الملكية الادبية والفنية والصناعية، هو وجود المصنف أو الشيء المخترع أو العلامة التجارية.
ثانيا : قابلية الشيء المبيع للوجود:
يصح أن ينعقد البيع على أشياء غير موجودة حالا إلا أنها ممكنة الوجود مستقبلا، وهذا ما يؤكده الفصل 61 في فقرته الأولى "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون" ومن المعلوم أن إباحة التعامل في الاشياء والحقوق المستقبلة أمر اقتضته الضرورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، حيث يشيع بيع شقة على التصميم قبل بنائها، أو قطعة أرض في تجزئة رهن الإعداد أو بضاعة في مرحلة الإنجاز والصنع وغيرها.
وفي التعامل مع الاشياء المستقبلة يغلب احتمال وجودها مستقبلا، لذلك يتعين أن يشير عقد بيعها إلى عناصر تمكن من الإحاطة بهذا الاحتمال مثلا كأن يتم ذكر تاريخ صنعها وتسليمها، والإشارة إلى أن البائع قد بدأ فعلا في هذا الصنع.ومن أبرز الامثلة التي نعطيها في التعامل مع الاشياء المستقبلة بيع السلم الذي عرفه المشرع في الفصل 613 من قانون الإلتزامات والعقود " السلم عقد بمقتضاه يعجل أحد المتعاقدين مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من الاطعمة أو غيرها من الاشياء المنقولة في أجل متفق عليه".وأيضا من الأمثلة التي تندرج ضمن هذا الإطار بيع العقار في طور الإنجاز، باعتباره اتفاقا ابتدائيا يتعهد بموجبه بإنجاز عقار خلال أجل محدد، كما يتعهد فيها المشتري بأداء الثمن بحسب تقدم الأشغال طبقا للفصل 618 من القانون رقم 44.00 .
الفقرة الثانية: ضرورة تعيين المبيع أو قابليته للتعيين:
أولا: تعيين المبيع:
يقصد بتعيين المبيع حصول العلم به وعدم الجهل به جهالة قد تمنع التبايع أو تكون سبيا للنزاع، وينص الفصل 58 من قانون الإلتزامات والعقود على "أن الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه.
ويسوع أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد".
كما ورد ضمن الفصل 486 "يسوغ أن يرد البيع على شيء غير محدد إلا بنوعه، ولكن البيع لا يصح في هذه الحالة إلا إذا ورد على أشياء مثلية محددة تحديدا كافيا بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو المقياس والصنف على نحو يجيء معه رضى المتعاقدين على بينة وتبصر".
وسنميز بخصوص هذا الشرط بين الأشياء القيمية ونظيرتها المثلية، إضافة إلى الإشارة إلى بيوع الخيار والبيع الجزافي.
1-تعيين الأشياء القيمية:
يمكن تعريف الاشياء القيمية أو الاعيان المعينة بذاتها بأنها الاشياء التي يختص كل منها بخصائص تعينه تعيينا ذاتيا، يجعل غيره لا يقوم مقامه في الاداء، بتعبير آخر الاشياء القيمية هي الاشياء التي تتفاوت مفرداتها تفاوتا يعتد به في الغالب، فلا يقوم بعضها مقام بعض في الاداء، ومن بينها مثلا الحيوانات من بقر وخيل وغنم وغيرها، أو العقارات بمختلف أنواعها والكتب المخطوطة.
يجمع الفقه على أنه إذا ورد البيع على شيء قيمي أي شيء معين بالذات فإنه يتعين تحديده تحديدا دقيقا، حتى لا يختلط بغيره مثال أن يقدم شخص على بيع عقار ما ينبغي أن يقوم بتحديد موقعه ومساحته وحدوده، وبقية العناصر الأخرى التي تساعد على تحديد هوية هذا العقار وتمييزه عن ما سواه من العقارات الأخرى.
أما إذا كان المبيع حقا شخصيا وجب تعيينه بتحديد موضوعه والتعريف بشخص كل من الدائن والمدين وذكر التصرف القانوني الذي تمخض عنه الحق الشخصي، وكمثال على ذلك: يعين المبيع في حوالة الحق نظير ثمن نقدي بتعيين الدائن بهذا الحق الشخصي والمدين به والشيء الذي وقع عليه الحق الشخصي وكذا المصدر الذي نشأ عنه هذا الحق الشخصي.
2-تعيين الأشياء المثلية:
تعرف الاشياء المثلية بأنها أشياء يحل بعضها محل البعض الآخر في الأداء أو هي التي تتماثل أفرادها، بحيث لا يوجد بينها تفاوت أو يوجد تفاوت يسير اعتاد الناس أن يتساهلوا بشأنه تذكر منها المكيلات كالقمح والشعير والموزونات كالبرتقال والمشمش، والمقياسات كالأثواب والحبال، والمعدودات كالبيض والنسخ المتعددة من الجرائد.
والأصل أن تعيين الاشياء المثلية بالنوع والمقادير ويمكن أن تعين بالجزاف أو النموذج، بالنسبة لتعيين الاشياء المثلية بالنوع والمقادير فيؤول التعيين بالنوع إلى تحديد نوع المبيع عن طريق الإشارة إلى كافة علاماته ومواصفاته، أما التعيين بالمقادير فهو الذي يعين فيه المبيع بحسب المقادير المتفق عليها وزنا أو كيلا أو عددا ونشير إلى حالة إذا حدد المتبايعان مقادير المبيع باحد وسائل التقدير المذكورة مضيفين عبارة (على وجه التقدير أو تقريبا) وهذا غالبا ما يقع تعين العمل بالتسامح الجاري به العمل مع الأخذ بعين الاعتبار الاعراف والعادات التجارية، وهذا ما نص عليه الفصل 470 من قانون الإلتزامات والعقود إذا ذكر في الالتزام المبلغ أو الوزن أو المقدار على وجه التقريب بعبارتي ما يقارب وتقريبا وغيرهما من العبارات المماثلة وجب الأخذ بالتسامح الذي تقضي به عادات التجارة أو عرف المكان.
وعند تفاوت الاشياء المثلية فيما بينها من حيث الجودة، وجب أن تعين درجة جودة المبيع وإلا فيلزم أن يكون هذا المبيع من درجة متوسطة الجودة وهذا ما ينص عليه الفصل 244 من قانون الإلتزامات والعقود "إذا لم يعين الشيء إلا بنوعه لم يكن المدين ملزما بأن يعطي ذلك الشيء من احسن نوع، كما لا يمكنه أن يعطيه من أردئه".
3-البيع الجزافي:
البيع بالجزاف أو بالكثرة هو بيع بالجملة لأشياء موحدة أو مختلفة الانواع من غير اعتبار لوزنها أو كيلها أو قياسها أو عددها، فالمشتري في هذا النوع من البيع يشتري المبيع على حالته ودون علم بمقاديره.
إذن بيع الجزاف يتحقق بتوفر شرطين وهما رؤية المبيع والجهل بمقداره ومن الأمثلة بيع ما في المخزن من قمح وشعير أو بضاعة. والذي يلاحظ في هذا النوع من البيع أنه يكون صحيحا وملزما لأطرافه سواء أصاب المشتري في تقديره للمبيع أم أخطأ. وقد أجمع الفقه الاحكام الخاصة بهذا البيع في الفصل 490 من قانون الإلتزامات والعقود.
أما فيما يخص التعيين بالنموذج أو بالعينة فقد تعرض المشرع المغربي لهذا النوع من البيوع في الفصل 551 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ورد فيه ما يلي "في البيوع التي تنعقد على مقتضى أنموذج يضمن البائع توفر صفات الأنموذج في المبيع، وإذا هلك الأنموذج أو تعيب وجب على المشتري أن يثبت أن البضاعة غير مطابقة له".
من أمثلة هذا البيع أن يقدم البائع للمشتري حفنة من القمح الذي يبيعه، أو قد يكون النموذج مقدما من المشتري كأن يقدم المشتري قطعة من الثوب كنموذج للثوب الذي يريد شراءه. وفي هذا البيع يتوجب أن يكون المبيع مطابقا للعينة أو النموذج المتفق عليه مطابقة تامة، حيث يكون للمشتري أن يرفض المبيع أو أي جزء منه لا يكون مطابقا للعينة ولو أثبت البائع أن المبيع أعلى جودة من العينة ذاتها، وعند عدم مطابقة المبيع للنموذج المتفق عليه يحق للمشتري تطبيقا للقواعد العامة المطالبة كميداً عام بالتنفيذ العيني، أي تسليم شيء آخر مطابق للنموذج أو الحصول عليه مباشرة من السوق على نفقة البائع بعد اللجوء إلى القضاء لإصدار حكم يأذن بذلك، أما إذا تعذر كل هذا أمكن له أن يطالب بفسخ العقد مع حقه في جميع الحالات في أن يحصل على تعويض يناسب الضرر الذي وقع له.
4- البيوع في عقد الخيار:
تتخذ بيوع الخيار العديد من المظاهر إلا أن الذي يهمنا في هذا الصدد هي التي يرتبط فيها البيع بشرط لمصلحة المشتري، حيث يكون فيها البيع معلقا على شرط واقف يمكن للمشتري الخيار بين إجازة البيع أو رفضه، فمثلا في البيع بشرط التجربة أو المذاق فإن تحديد المبيع بالنسبة لهاتين الحالتين لا يتم إلا عند تجربة الشيء المبيع أو تذوقه، تطبيقا لمقتضيات الفصل 494 الذي ينص على ما يلي "إذا وقع البيع بالقياس أو الكيل أو العد أو على شرط التجربة أو على شرط المذاق أو على أساس مجرد الوصف، فإن البائع يبقى متحملا بتبعة هالك المبيع، مادام لم يجر قياسه أو كيله أوعده أو تجربته أو مذاقه أو فحصه ولم يحصل قبوله من المشتري أو من نائبه، وذلك حتى ولو كان المبيع موجودا بالفعل في يد المشتري".
ثانيا:قابلية المبيع للتعيين:
جاء الفصل 58 من قانون الإلتزامات والعقود "الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الاقل بالنسبة إلى نوعه.
و يسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد".
إذن يمكن أن يكون المبيع قابلا للتعيين، حيث أنه إذا عين الشيء المبيع ببياناته ومواصفاته التي يتشابه فيها مع نوع مثله، فيكون من غير اللازم عندند تعيين مقاديره التي يمكن أن يتفق فقط على عناصر تساعد على قابليتها للتعيين بعد تكوين العقد، كمن يلتزم بتزويد مطعم بنوع محدد من الاطعمة أو بنوع محدد من الاقمشة، حيث تصبح مسألة تعيين المبيع مسألة حسابية تحدد وفق الضوابط المتفق عليها.
الفقرة الثالثة:جواز التعامل في الشيء المبيع:
جاء في الفصل 57 من قانون الإلتزامات والعقود ما يلي" الاشياء والافعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الاشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها".
طبقا لمقتضيات هذا الفصل يجب أن يكون الشيء محل العقد داخلا في دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها، ولكي يتحقق ذلك فإنه ينبغي أن يكون المبيع مشروعا، وغير ممنوع من التداول لأسباب متعددة بالرغم من مشروعيته، كما يتعين أن لا يكون هذا المحل مملوكا للغير. فالاصل أن الأموال قابلة للتداول كقاعدة عامة مادامت مشروعة، مالم توجد مبررات تحرم هذا التعامل، إما من خلال نص قانوني، أو مراعاة للمصلحة العامة والآداب وهذا ما أكده الفصل 57 كما سبقت الإشارة إليه ومن الاشياء التي حرم القانون التعامل بشأنها لكونها غير مشروعة مانص عليه الفصل 484 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على ما يلي" يبطل بين المسلمين بيع الاشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لشريعتهم مع استثناء الأشياء التي تجيز هذه الشريعة الاتجار فيها كالأسمدة الحيوانية المستخدمة في أغراض الفلاحة".
وهناك حالات يكون فيها المبيع مشروعا ومع ذلك يعتبر خارجا عن دائرة التعامل، ويرجع ذلك إلى رغبة المشرع إما في حماية المصلحة العامة أو مصلحة فئة معينة من الناس. وبخصوص المصلحة العامة نجد أن مختلف القوانين تحظر من التعامل في الاشياء المخصصة للمنفعة العامة، حيث أنه لا يمكن لأي شخص كيفما كان الاستئثار بحيازتها كأشعة الشمس والهواء والبحر.
لكن إذا تيسر الاستيلاء على مقادير محددة من هذه الاشياء وتداولها كالهواء المضغوط أو الماء المأخوذ من البحر دخلت في نطاق التعامل، وجاز بالتالي أن تكون محلا للبيع.
أما فيما يتعلق بحماية فئة من الناس حيث لا يصح الشيء كمحل للبيع لأنه مرتبط بشخص صاحبه بحكم طبيعته القانونية، من ذلك مثلا: حق استعمال عقار والذي يتم بطابع شخصي بين، حيث يتعين على صاحبه أن ينتفع بحقه بنفسه ومباشرة، ولا يجوز له التصرف فيه بالبيع مثلا وقد جاءت المادة 113 من مدونة الحقوق العينية تؤكد هذا " لا يجوز للمنتفع بحق الاستعمال أن يتصرف فيه".
أيضا نضيف مثال يتعلق بالحق المعنوي للمؤلف الذي لا يجوز تفويته للغير وهذا ما يستفاد من خلال القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
وقد يكون الشيء غير قابل للتصرف بالنظر للغرض الذي خصص له من ذلك مثلا الاملاك العامة للدولة ( الشواطئ البحرية والموانئ ومجاري المياه والسدود والقناطر ...) التي لا تقبل التفويت إلا إذا تم تحويلها إلى ملك الدولة الخاص وجرى نزع الصفة العمومية عنها.
ونشير إلى ماجاء في الفصلين :
الفصل 480:متصرفو البلديات والمؤسسات العامة، والأوصياء، والمساعدون القضائيون أو المقدمون والآباء الذين يديرون أموال أبنائهم، وأمناء التفليسة (السنادكة)، ومصفو الشركات،لا يسوغ لهم اكتساب أموال من ينوبون عنهم إلا إذا كانوا يشاركونهم على الشيوع في ملكية الأموال التي هي موضوع التصرف. كما أنه لا يجوز لهؤلاء الأشخاص أن يجعلوا من أنفسهم محالا لهم بالديون التي على من يتولون إدارة أموالهم. وليس لهؤلاء الأشخاص كذلك أن يأخذوا أموال من ينوبون عنهم على سبيل المعاوضة أو الرهن رهنا حيازيا أو رهنا بدون حيازة أو رهنا رسميا.
إلا أنه يمكن إجازة الحوالة أو البيع أو المعاوضة أو الرهن رهنا حيازيا أو رهنا بدون حيازة أو رهنا رسميا ممن حصل التصرف لصالحه، إذا كانت له أهلية التفويت، أو من المحكمة أو من أي سلطة مختصة أخرى مع مراعاة الأحكام المتعلقة بذلك والواردة في
ظهير المسطرة المدنية.
الفصل 481:لا يسوغ للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا، لا بأنفسهم ولا بوسطاء عنهم، الأموال المنقولة أو العقارية التي يناط بهم بيعها أو تقويمها كما أنه لا يسوغ لهم أن يأخذوا هذه الأموال على سبيل المعاوضة أو الرهن رهنا حيازيا أو رهنا بدون حيازة أو رهنا رسميا.
ويترتب على مخالفة هذا الفصل الحكم بالبطلان وبالتعويضات.
الفقرة الرابعة :أن يكون المبيع مملوكا للبائع:
يخضع لأحكام الفصل 485 الذي ينص على أن "بيع ملك الغير يقع صحيحا:
1-إذا أقره المالك.
2-إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.
وإذا رفض المالك الاقرار كان للمشتري أن يطالب فسخ البيع وزيادة على ذلك يلتزم البائع بالتعويض إذا كان المشتري يجهل عند البيع أن الشيء مملوك للغير.
ولا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير".
المطلب الثالث: الثمن:
الثمن هو الذي يميز عقد البيع عن غيره من العقود الأخرى التي يكون فيها المقابل غير الثمن كالمقايضة مثلا.
إذن الثمن يعتبر شرطا أساسيا لصحة البيع، فإذا غاب عنصر الثمن في عقد البيع انعدم ركن من أركانه وبالتالي كان العقد باطلا، وإذا كان الأصل هو حرية المتبايعين في الاتفاق بشأن الثمن، إلا أن مقتضيات التنظيم القانوني لعقد البيع تفرض شروطا يجب توفرها في الثمن وهي كالتالي:
الفقرة الأولى: أن يكون نقديا:
إن الطبيعة النقدية للثمن هي التي تميز البيع عن كثير من العقود الأخرى خاصة الهبة والمقايضة، لذلك يلزم مبدئيا أن يتضمن اتفاق المتبايعين الثمن النقدي، أي المبلغ أو الرقم الحسابي من النقود التي يتعين على المشتري دفعه إلى البائع نظير حصوله على ملكية المبيع. ففي البيوع التي تنعقد وتنتج أثارها في المغرب يجب أن يحصل التراضي على اداء الثمن بالدرهم، أي العملة الوطنية المتداولة في المغرب، أخذا بعين الاعتبار السعر المفرز له من طرف البنك المركزي، فهو أداة وفاء وائتمان يصلح لتقدير مختلف الاشياء والحقوق في ضوء قانون العرض والطلب.
إلا أنه يمكن الاتفاق في البيوع الدولية التي تنفذ خارج التراب الوطني، على دفع الثمن بالعملة الأجنبية، دعما للاقتصاد الذي يقتضي القيام بعملية استراد وتصدير، والحصول على عملة صعبة تحتاجها الخزينة العامة لضمان التوازن المالي الخارجي.
إذن لا شيء يمكن أن يقوم مقام النقود ولو كان مقوما أو له سعر معروف في البورصة ويؤدى الثمن معجلا أو مؤجلا، إذن ومن خلال الفصل 478 و 488 جاء تحديد الثمن من العناصر الاساسية في البيع، وإن كان المشرع من خلال الفصلين لم يشر إلى أن الثمن يكون مبلغ من النقود، ولكن الاتفاق حاصل على أن هذا الإغفال لا ينال في شيء من كون الثمن المقصود في البيع في القانون المغربي هو الثمن النقدي.
الفقرة الثانية: أن يكون الثمن معينا أو قابلا للتعيين:
لا يكفي في البيع حصول الاتفاق بخصوص طبيعة الثمن النقدية، بل يلزم أيضا الاتفاق على صفاته، أي تعيينه او قابليته للتعيين، جاء في الفصل 487 من قانون الإلتزامات والعقود "يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا ولا يسوغ أن يعهد بتعيينه إلى احد من الغير كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن الثمن معروفا من المتعاقدين، ومع ذلك يجوز الركون إلى الثمن المحدد في قائمة اسعار السوق أو إلى تعريفة معينة، أو إلى متوسط أسعار السوق، إذا ورد البيع على بضائع يتعرض ثمنها للتقلبات، فيفترض في المتعاقدين انهما ركنا إلى متوسط الاسعار التي تجري بها الصفقات".
ومعنى ذلك أن الأصل في عقد البيع هو أن يتفق البائع والمشتري على تقدير الثمن في صلب العقد، بمحض إرادتهما معا، ولا يترك أمر تقديره إلى أحدهما فقط، لأن المشتري هدفه هو تقديم أقل ثمن ممكن، والبائع يروم دائما الحصول على أعلى سعر ممكن للمبيع.
فالمشرع المغربي لا يجيز أن يعهد للغير بتعيين الثمن تماشيا في ذلك مع الموقف الذي يسير عليه الفقه الإسلامي، ومرد هذا المنع أن الثمن عندما يعهد به إلى شخص من الغير فهناك إمكانية محاباة هذا الغير للبائع أو المشتري يبقى امرا واردا ولو في حدود نسب ضئيلة الأمر الذي جعل المشرع يمنع تعيين الثمن من الغير ونفس العلة منع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير للغرر الذي يكتنف هذا النوع من المعاملات، وذلك بهدف تجنب الاجحاف الذي قد يمس أحد المتعاقدين.
الأصل إذن أن يتم تعيين الثمن بتوافق إرادتي المشتري والبائع بعد المساومة والمفاوضة لكن أحيانا قد يتم تحديد الثمن على أسس أخرى مثلا البيع بالمزاد العلني، فالبيع هنا يتم بالثمن الذي رسا به المزاد يعد هو ثمن البيع، الذي يتعين أداؤه من المشتري وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 477 من قانون المسطرة المدنية. وكمثال العقود الاستهلاكية التي يستغل فيها المهني موقعه لإخضاع المستهلك لسلطاته حيث أنه عادة ما يستأثر بتحديد ثمن البيع انطلاقا من نفوذه الاقتصادي القوي، وقد يضمن عقود البيع شروطا مجحفة تضر بمصلحة المشتري المستهلك، لكن بصدور قانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك حيث أولى المشرع عناية خاصة للثمن، وذلك بضرورة إعلام المستهلك بأسعار المنتوجات وبتعريفات الخدمات.
الفقرة الثالثة: عدالة الثمن وجديته:
بالرغم من كون الأصل في تحديد الثمن هو تركه لإرادة المتعاقدين، وفقا لمبدأ سلطان الإرادة إلا أنه يتعين في هذا التحديد أن يتم في إطار متوسط الاسعار الجاري بها العمل، في السوق وفقا لقواعد العرض والطلب، وكيفما كانت التقلبات التي يخضع لها نظام السوق، فإن الثمن يتوجب أن يكون جديا لا صوريا وأن يكون ثمنا عدلا لا بخسا.
فالثمن الجدي هو الثمن المعقول الذي يتناسب مع متوسط الاسعار إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها التقلبات، أما إذا كانت البضاعة مما يتاثر بتقلبات السوق فالثمن يكون جديا إذا كان في حدود متوسط الاسعار.
إلا أن هناك بعض الأوضاع التي يتم فيها الاتفاق على إسقاط الثمن أو الزيادة فيه، أو الانقاص منه، فنكون أمام ما يسمى بعقد البيع الصوري، الذي يتم فيه إخفاء الثمن وغالبا يكون السبب وراء ذلك هو التهرب الضريبي.
ولا يكون الثمن عادلا إلا إذا كان في مستوى القيمة الحقيقية للشيء المبيع، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان الثمن محددا وفقا لنظام التسعير، أما عندما يتحدد الثمن بالتراضي فإنه غالبا ما يتراوح بين الحدين الأقصى والأدنى، ويؤثر في عدالة الثمن إذا وصل إلى حد الغبن الموجب للإيطال، والغبن في الثمن هو الذي ينطبق عليه وصف البيع بالثمن البخس، كالشخص الذي ينشئ هبة في صورة بيع، حيث يصبح البيع ما هو إلا عقد ساتر للهبة.
والغبن في التشريع المغربي لا يعتبر سببا لإبطال التصرفات القانونية بالنسبة للراشدين، إلا أن هناك حالات استثنائية يتقرر فيها الإبطال بمقتضى نص خاص كالغبن اللاحق بالقاصرين.
______________________
لائحة المراجع:
-قانون الإلتزامات والعقود.
-الوجيز في القانون المدني المغربي للدكتور محمد الكشبور.
-العقود المسماة للدكتور خليفة الخروبي.
-نظرية العقد في القانون المدني المغربي للدكتور عبد القادر العراقي.
-الوجيز في النظرية العامة للإلتزام للدكتور محمد اليازيدي.