أخر الاخبار

نشأة مبدأ الفصل بين السلط

في هذا المقال سوف نتحدث عن نشأة مبدأ أو نظرية الفصل بين السلطات وفق المنهجية التالية:
أولا: نشأة مبدأ الفصل بين السلط:  
أ-الجذور التاريخية لمبدأ الفصل بين السلط:  
1-الفصل بين السلط في الفكر القديم:  
2-الفصل بين السلطات في الفكر الحديث:  
-الفصل بين السلط عند جون لوك:  
-الفصل بين السلط عند جون جاك روسو:  
- الفصل بين السلط عند مونتسكيو:

أولا :نشأة مبدأ الفصل بين السلط:
بحكم ارتباط مبدأ الفصل بين السلط بمسائل وقضايا الحكم والسلطة وتنظيم الجماعة السياسية، فإن الجذور التاريخية والفكرية لنشأة هذا المبدأ، ترجع إلى رواد الفكر السياسي اليوناني الذين ساهموا في وضع لبناته الأولى. لكن الفضل في إرساء معامل هذا المبدأ وصياغة نظرية متكاملة حوله واستعماله كسالح ضد الحكومات المستبدة خلال القرن الثامن عشر، يرجع لمونتسكيو، صاحب كتاب "روح الشرائع" الصادر سنة 1748.

أ: الجذور التارخيية لمبدأ الفصل بين السلط:

يمكن من الناحية التارخيية،التمييز في الحديث عن الجذور الفكرية لنشأة مبدأ الفصل بين السلطات خلال المراحل السابقة على ظهور نظرية "مونتسكيو" بين مرحلتين بارزتين، وهما مرحلة الفكر السياسي القديم التي تهم أفكار الفلاسفة اليونانيين وخاصة أفلاطون وأرسطو. ومرحلة الفكر السياسي الحديث التي ترتبط بتطور التجربة السياسية الإنجليزية خلال القرن السابع عشر.

1-الفصل بين السلطات في الفكر السياسي القديم:

إن الحديث عن فكرة فصل السلطات في العهد القديم  يبدو غير مستساغ من الناحية العلمية والعملية، إلا أن هذه الفترة لم تكن خالية كليا من بعض الأفكار السياسية التي أسست فيما بعد لهذه الفكرة. ففي العصر اليوناني كان أفلاطون قد انشغل، في كتابه "القوانين" بتحليل مختلف الحكومات التي كانت قائمة في عصره وحتى التي كانت قائمة قبل ذلك العصر، حيث قام بوصف أشكال هذه الحكومات أو المدن أو الدول بالمفهوم الحديث، كما قام برصد مميزات وعيوب هذه الحكومات. فأفلاطون يعترب من الفلاسفة والمفكرين الأوائل الذين انتبهوا إلى فكرة الفصل بين السلط. حينما وضع تصورا للتنظيم الجيد للمدينة أو الدولة، أي تصورا "للجمهورية الفاضلة"، مؤسسا هذا التصور على أهمية تقسيم وتوزيع وظائف الدولة ومهامها المختلفة بين أجهزة أو هيئات متعددة، حيث تختص و تمارس كل واحدة منها وظيفة معينة، ومن بين هذه الهيئات والوظائف ما يلي: 
-مجلس السيادة: الذي يتكون من عشرة أعضاء وهو الذي يهيمن على مختلف الشؤون العامة في الدولة. 
-الجمعية: وتضم كبار الحكماء والمشرعين ومهمتها حماية الدستور من عبث الحكام، والإشراف على سالمة تطبيقه.
-مجلس الشيوخ: ومهمته هي القيام بالتشريع، أي سن القوانين اللازمة للدولة ويتم انتخابه من طرف الشعب. 
-هيئة قضائية: وتتكون من عدة محاكم على درجات مختلفة، وتتجلى مهمتها في الفصل في المنازعات. 
-هيئة البوليس أو الشرطة أو الأمن : ويتجلى دورها في المحافظة على الأمن داخل الدولة.
-هيئة الجيش: وتهتم بالدفاع عن سلامة البلاد من الإعتداءات االخارجية. 
-هيئات تعليمية وتنفيذية: تتولى تسيير مختلف المرافق العامة داخل الدولة. 
وبهذه الطريقة اعتبر أفلاطون أن توزيع الأدوار والمهام بين مختلف الهيئات في الدولة من شأنه أن يساعد على تحقيق المصلحة العامة، واستقرار الأوضاع فيها، وتفادي الإستبداد الذي قد ينجم عن تركيز جميع الأعمال في يد هيئة واحد ة. إلا أن الأفكار التي بلورها تلميذه أرسطو حول نظام الحكم في المدن-الدول اليونانية، تبدو أوضح في التعبير عن بروز البدايات الأولى لما سيعرف بعد قرون بنظرية أو مبدأ فصل السلطات. كما يعتبر أرسطو من الفلاسفة والمفكرين الأوائل، الذين عالجوا إشكالية علاقة السلطة بالجماعة السياسية، وقد اعتبر في كتابه "السياسة"، أن السلطة لا تنبع إلا من الجماعة، وبالتالي لا يجوز أن تسند إلى فرد أو أقلية من الشعب، وإنما إلى الجماعة كلها. وما دام القانون في الحقيقة هو تعبير عن إرادة هذه الجماعة ومظهرا لها، فيجب أن يحكم تصرفات هذه الجماعة، وبهذا تكون السيادة في حقيقة الأمرلهذه الجماعة، أو بمعنى آخر للشعب. لكن تعدد وظائف الدولة وتنوعها وتشعبها، يجعل من الصعب على الجماعة أن تقوم بها مجتمعة، وذلك يستلزم تقسيمها إلى عدة وظائف فرعية، وإن كان هذا السبب ليس المبرر الوحيد الذي لمثل هذا التقسيم، بل يوجد أيضا إلى جانبه الحاجة إلى تفادي وضع كل تلك الوظائف في يد شخص واحد، لأن هذا الأمر يكون كفيلا بإفساد نظام الحكم من أساسه، وتحويل ذلك الشخص إلى سلطة استبدادية لا تصلح للإستمرار.
اعتمادا على هذه المبررات اقترح أرسطو تقسيما ثلاثيا لوظائف ومهام الدولة، يقوم على أساس التمييز بين السلط التالية:
-سلطة المداولة والتشاور: يتولاها ما أسماه بالمجلس العام أو الجمعية العامة تقوم بالتداول في القضايا العامة ومناقشة جميع شؤون الدولة، وتعلن السلم والحرب، وتعقد الإتفاقيات، وتضع القوانين وتنسخها.
-سلطة الحكم وإصدار الأوامر وتنفيذ القوانين التي يقوم بها الحكام وكبار الموظفين في مجال التدبير المالي والإداري والأمني وتنفيذ الأحكام.
-سلطة القضاء: التي تختص بالفصل في الخصومات والجرائم، وتسند إلى المحاكم بكافة أنواعها ودرجاتها. 
إن تقسيم أرسطو لوظائف الدولة، وإن كان شبيها بالتقسيم الحديث للوظائف الفعلية للدولة الحديثة، خاصة وظيفتي الأمر والقضاء اللتان تطابقان السلطتين التنفيذية والقضائية في مفهومها الحديث، فإنه لا يبدو كذلك عندما يتعلق الأمر بوظيفة التداول والتشاور فهي لا تطابق وظيفة التشريع، كما هي معروفة في الدولة الحديثة. وذلك لأن هذه الوظيفة تتسع عند أرسطو لتستوعب أكثر من مجرد سن القوانين بحيث يدخل في حكمها، فضلا عن ذلك كل ما يتعلق بشؤون السلم والحرب والمعاهدات وأحكام الإعدام والمصادرة والنفي وانتخاب الحكام والتدقيق في حساباتهم وربما هلذا السبب كان أرسطو يعتبرها بمثابة العنصر الأسمى في الدولة. 
ولذلك يصعب القول إن أرسطو كان يقصد بالضبط مبدأ الفصل بين السلطات وإن كان هذا التقسيم لوظائف الدولة الذي وضعه هو في حد ذاته قد أسهم بشكل أو بآخر في تمهيد الطريق لنشأة هذا المبدأ سيما وأن هذا الأخير لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك تقسيم لوظائف الدولة.

2-مبدأ الفصل بين السلطات في الفكر السياسي الحديث:

يرتبط التأطير الفكري والفقهي لمبدأ الفصل بين السلطات من الناحية الواقعية بالتجربة السياسية الإنجليزية حيث تطورت محاولات هذا المبدأ في نوع من الموازاة مع التحولات التي سيعرفها نظام الحكم البريطاني عبر محطات تاريخية بارزة خاصة منها المحطات التي انتقل فيها هذا الحكم من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة تقوم على فصل السلطات.
فلئن اكتملت المعامل الأساسية لهذا المبدأ على يد المفكر الفرنسي مونتسكيو فإن إقامة هذا المفكر في إنجلترا لفترة معتبرة كان لها الأثر البارز في أن يعجب بنظامها السياسي حينما اعتبره مثالا للحكومة الصالحة وكذلك تأثره بأفكار جون لوك الذي كان أول من كتب عن نظرية فصل السلطات.

-الفصل بين السلط عند جون لوك:

كان هذا المفكر من المؤيدين للثورة الإنجليزية لسنة 1688 التي كان من نتائجها انتصار البرلمان بقيادة "حزب الأحرار" على "ملكية آل ستيوارت" والقضاء الفعلي على حق الملوك الإلهي في الحكم وتوطيد دعائم "ملكية دستورية"، خاصة بعد أن أرغم الملك على توقيع "قانون / إعلان الحقوق"، الذي قيل عنه أنه "دستور إنجلتر الجديد" بحكم طبيعة القيود الدستورية التي فرضها على الحكم الملكي. ولقد أسس جون لوك نظريته لفصل السلط على فكرتين أساسيتين، فكرة عملية وتتمثل في ضرورة وجود سلطة تنفيذية دائمة ومستمرة عكس السلطة التشريعية التي بحكم طبيعة عملها لا تستوجب الديمومة. وفكرة معنوية سيكولوجية مرتبطة بطبيعة الإنسان الذي يميل إلى استغلال نفوذه إلى أبعد مدى ما مل يجد رادعا، الأمر الذي يجعل تركيز السلطة في يد واحدة يؤدي إلى التحكم والإستبداد.
وانطلق "جون لوك" في التأكيد على الحاجة إلى تقسيم السلطات العامة في الدولة، من القول إن الفرد كان يملك في حياة الفطرة السابقة على إبرام "العقد الإجتماعي" المؤسس للدولة" سلطتين أساسيتين: الأولى كانت تسمح له أن يفعل ما يراه كفيلا بالمحافظة على ذاته وعلى الآخرين في حدود قانون الطبيعة، الذي يقره الجميع. والثانية كانت تعطيه الحق في معاقبة الجرائم التي ترتكب ضد هذا القانون. لكنه الفرد تخلى عن هاتين السلطتين بمجرد اندماجه في مجتمع سياسي وحكومة قائمة بذاتها. ولقد ترك السلطة الأولى حتى تنظمها القوانين التي يضعها المجتمع بحيث يتسع نطاقها لإبعاد غرضه الخاص من أجل تحقيق أغراض المجتمع. أما السلطة الثانية فقد تخلى عنها نهائيا، بل وضع قدراته الطبيعية في خدمة السلطة التنفيذية للمجتمع بما يتفق وحاجة القانون. هذا التخلي عن هاتين السلطتين، سمح للحكومة بوصفها وارثة للأفراد الطبيعيين بأن تملك سلطتين أساسيتين هما السلطة التشريعية، التي تتولى بموجبها وضع القواعد اللازمة لحفظ الجماعة وأفرادها، بمعنى سن القوانين. والسلطة التنفيذية التي تقوم من خلالها بتنفيذ تلك القوانين. لكن، بما أن الجماعة في حاجة إلى أن تظهر كجسم واحد أمام باقي الأفراد، الذين لا يزالون في حالة الفطرة أو ما يسميهم بالغرباء فقد تطلب ذلك وجود سلطة خاصة تمثل الدولة في علاقاتها مع الخارج، وهي المهمة التي أسندها جون لوك لما سماه بالسلطة الإتحادية أو الفيدرالية، التي يتجلى دورها في إعلان الحرب وإقرار السلم والإنضمام إلى الأحلاف وتوقيع المعاهدات وتنظيم سائر العلاقات مع كل الأفراد والجماعات الخارجة عن الدولة. والملاحظ على التقسيم الذي قدمه جون لوك للسلطات العامة في الدولة هو أنه تجاهل الإشارة إلى السلطة القضائية. وهذا الأمر كان يعكس، بحسب ما ورد التأكيد عليه في الأبحاث التي تناولت أعماله، أنه استصعب إمكانية تحولها إلى سلطة مستقلة، نظرا للعلاقة التي كانت تربط القضاة بالتاج الملكي البريطاني قبل الثورة والتي كانت تتميز بالخضوع التام  للتاج البريطاني، واستمرار هذا الخضوع المطلق بعد ذلك للبرلمان. وواضح من خلال ما سبق أن جون لو ك وإن لم يتمكن من نسج نظرية واضحة المعالم حول الفصل بين السلطات، فالتصور الذي قدمه لنظام الحكم الجيد هو الذي انطلق منه صاحب "روح الشرائع" في بناء نظريته التي ستكتب في تاريخ الأفكار باسمه.

-الفصل بين السلط عند جون جاك روسو:

انطلق في دراسته لمبدأ الفصل بين السلط من مفهومه الخاص للسيادة التي حصرها ومركزها في السلطة التشريعية، ووضع تصوره لتوزيع سلط ووظائف الدولة على هذا الأساس: 
=السلطة التشريعية: تمثل وحدها الشعب وتمارس السيادة بتفويض منه، لذلك يقتصر عملها في سن القوانين، ولا تجتمع لأداء هذه المهمة بصفة دائمة.
=السلطة التنفيذية: مادام أن السلطة التشريعية لا تجتمع على الدوام فلابد من سلطة أخرى تقوم بتنفيذ القوانين، وبما أن الشعب لا يستطيع القيام بهذه العملية بشكل مباشر، فلابد من وجود السلطة التنفيذية التي تقتصر وظيفتها فقط في هذه العملية. وهي ليست سلطة مستقلة، ولكنها هيئة خادمة للشعب، ومن حقه مراقبتها وإقالتها إن اقتضى الحال، وتتلاشى سلطتها عندما يجتمع الشعب في جمعيته العمومية. 
=السلطة القضائية: ميز روسو بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، ولم يسندها إلى الشعب، ولكنه فضل إسنادها إلى هيئة خاصة وأخضع القضاة كغيرهم من المواطنين إلى القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، بل ذهب إلى حد إقرار التظلم لدى الشعب من الأحكام القضائية وإقرار حق العفو لهذا الأخير على المحكوم عليهم وحسب روسو فالحديث عن الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية هو تحصيل حاصل نظرا لإختلاف طبيعتهما. 

-الفصل بين السلط عند مونتسكيو:  

تعتبر نظرية مونتسكيو في الفصل بين السلطات خلاصة تطور فكري طويل الأمد، بدأ مع الفلسفة السياسية اليونانية ليتم إغناؤه وتطويره مع الفكر السياسي الإنجليزي، وخاصة مع كتابات جون لوك التي سبق ذكرها. لكن تبقى مساهمة الفيلسوف والمفكر الفرنسي مونتسكيو في هذا المجال هي الأقوى والأهم لكونها انتقلت من مجرد الحديث عن تقسيم وظائف الدولة بين هيئات متعددة ومختلفة، والفصل بين سلطة سن القوانين وسلطة تنفيذها إلى إرساء دعائم نظرية مكتملة المعالم ظلت إلى حدود اليوم واحدة من أهم المبادئ التي يقوم عليها الفكر الديمقراطي الحديث. 
لقد انطلق مونتسكيو  في الحديث عن نظريته التي خصص لها كتابه "روح القوانين" من التأكيد على أن كل دولة تتضمن ثلاثة أنواع من السلطات حددها في ما يلي:
=السلطة التشريعية: فبموجب هذه السلطة يعمل الأمير أو الحاكم على وضع القوانين لزمن معني أو لكل زمن ويصحح أو يلغي ما وضع منها.
=سلطة تنفيذ الأمور الخاضعة لحقوق الأمم: فبموجب هذه السلطة يقرر الأمير السلم أو الحرب، ويرسل السفراء أو يتقبلهم، ويوطد الأمن ويحول دون الغارات.
=سلطة تنفيذ الأمور الخاضعة للقانون المدني: فبموجب هذه السلطة يعاقب الحاكم على الجرائم أو يقضي فيما بين الأفراد من خصومات.
لكن هذا التوزيع للأدوار بين السلطة التشريعية وسلطة الدولة التنفيذية وسلطة القضاء لا يمثل كل البناء النظري الذي يضعه مونتسكيو لتصوره حول دستور إنجلترا فإلى جانب ذلك يبدو الفصل بين تلك السلطات واستقلالها عن بعضها البعض أمرا حاسما، لأن العكس سيؤدي لا محال الى فساد السلطة واستبدادها. وقد منح مونتسكيو الحريات السياسية مرتبة عالية في هذا الصدد واعتبر وجودها مرهون بالأنظمة المعتدلة. وقال مونتسكيو بأن الحرية لن يكون لها وجود إذا اجتمعت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في شخص واحد أو في هيئة حاكمة واحدة لأنه يخشى أن يضع الملك نفسه أو المشرعين أنفسهم قوانين جائرة ليتم تنفيذها تنفيذا جائرا. ويضيف مونتسكيو إذا لم تفصل سلطة القضاء عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لأن اتحادها مع السلطة التشريعية يعرض حياة الناس وحريتهم للتحكم لأن القاضي سيصبح في هذه الحالة مشرعا، أما في حالة اتحادها مع السلطة التنفيذية، فالقاضي قد يتحول الى ممارس للظلم والتسلط، بمعنى آخر كل شيء سيضيع إذا مارس الرجل نفسه أو هيئة الأعيان أو الأشراف أو الشعب نفسه هذه السلطات الثلاث. وترتبط هذه النتيجة التي توصل إليها مونتسكيو في تحليله بنتيجة أخرى تخدمها وتعززها مفادها أن ممارسة السلطة لابد أن تجد من يحدها لأن التجارب الأزلية أثبتت أن كل إنسان ذي سلطان يميل إلى إساءة استعماله ويتمادى أيضا في استعماله حتى يجد حدودا توقفه.
وتحقيق هذا الغرض لا يكفي فيه مجرد الفصل بين السلطات أو إسناد اختصاصات إلى كل منها لتقوم بها بشكل مستقل عن الأخرى بل يتطلب أيضا أن تكون علاقاتها متوازنة بشكل يسمح لأي منها بأن تقف في وجه السلطات الأخر ى. وهذا عبر عنه مونتسكيو بقوله يتحتم لإيجاد حكومة معتدلة تنسيق السلطات وتركها تعمل دون اندفاع، أو بعبارة أخرى إعطاء كل منها ثقلا تستطيع أن تقاوم به الأخرى.
كل هذه الأفكار التي خطها مونتسكيو قبل ما يزيد عن قرنين ونصف من الزمان لا تزال صامدة إلى يومنا هذا بل تعتبر أساسا لكل حكومة منظمة وعنوانا لكل دولة مثالية. فقد أثرت بشكل كبير في تأطيرالثورات التي ستعرفها بعض الأنظمة السياسية خاصة في فرنسا وبريطانيا وأمريكا. حيث لم يتردد بعض رواد الثورة الفرنسية في القول إن فصل السلطات هو شرط الحكومة الدستورية الحرة. كما ستترجم أفكار مونتسكو في الوثائق المنبثقة عن الثورات مثل "إعلان حقوق الانسان والمواطن" رمز الثورة الفرنسية، الذي كان واضحا في إعلان ولائه لها وهو يقر في المادة السادسة منه بأن "أي مجتمع لا تكون فيه الحقوق مکفولة، أو فصل السلطات محددة، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق"، و كذا الدستور الفرنسي لسنة 1795 الذي أكد "أن الضمانات الإجتماعية تكون مفقودة إذا لم يكن تقسيم السلطات قائما، وإذا لم يكن لهذه السلطات حدود معينة".
تعليقات