أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

التطور التاريخي للقانون الدولي ومفهومه وأهميته وخصائصه وفروعه

سنتحدث في هذا المقال عن التطور التاريخي للقانون الدولي مع الإشارة إلى مفهومه وأهميته وخصائصه وفروعه وذلك وفق المنهجية الآتية:
أولا:تعريف القانون الدولي:
ثانيا:التطور التاريخي للقانون الدولي:
1-القانون الدولي قديما:
2-الدولة الاسلامية :
3-أوروبا الحديثة:
ثالثا: أهمية القانون الدولي:
رابعا: خصائص القانون الدولي العام:
خامسا: فروع القانون الدولي العام:
1-قانون التنظيم الدولي:
2-القانون الدولي لحقوق الإنسان:
3-القانون الدولي الاقتصادي:
4-القانون الدولي للتنمية:
5-القانون الدولي الإنساني:
6-القانون الدولي للبيئة:

أولا: تعريف القانون الدولي:

ظهر مصطلح "القانون الدولي العام" لأول مرة على يد الفقيه الإنجليزي "بنتام" عام 1789م. وقبل ذلك، كان المصطلح المتعارف عليه هو "قانون الشعوب" أو "قانون الأمم".
وعلى الرغم من اتفاق فقهاء القانون على تسمية "القانون الدولي العام"، إلا أنهم اختلفوا في تعريفه، وذلك بسبب اختلاف نظرتهم إلى طبيعة هذا القانون والمجالات التي يهتم بتنظيمها.
ومع ذلك، فإن جميع هذه التعريفات تعتبر القانون الدولي العام مجموعة القواعد التي تحدد الحقوق والواجبات الخاصة بالدول وعلاقاتها المتبادلة.
ومع تطور المجتمع الدولي وزيادة علاقات التعاون بين الدول وتوسعها، وظهور وحدات دولية على مستويات حكومية وغير حكومية، أصبح القانون الدولي العام أكثر شمولا وتنوعا. كما أن القانون الدولي العام لم يعد مقتصرا على تنظيم العلاقات بين الدول فقط، بل يشمل أيضا المنظمات الدولية والأفراد وكيانات أخرى وظهرت مجالات جديدة للقانون الدولي العام، مثل قانون حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وقانون البيئة الدولي، كما أن آليات تنفيذ القانون الدولي العام تطورت، مثل المحاكم الدولية والتحكيم الدولي وأصبح القانون الدولي العام أكثر أهمية في عالم مترابط ومعقد، حيث يلعب دورا حاسما في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون بين الدول.
يمكن القول إن القانون الدولي العام هو قانون متطور ومتغير، يتكيف مع التغيرات في المجتمع الدولي، ويلعب دورا حيويا في تنظيم العلاقات الدولية.
وعموما ومن خلال ما سبق يمكن تعريف القانو الدولي العام بأنه عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تختص بتنظيم العلاقة بين الدول في حالة الحرب وحالة السلم كما ينظم العلاقة بين الدول وكذا المنظمات الدولية. ولقد اعتبر معظم  فقهاء القانون الدولي العام الحضارة الغربية بأنها المسؤولة عن بداية القانون الدولي استنادا الى معاهدة واستفاليا لعام 1648م التي انعقدت بعد الحرب التي وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت ولكن هذا لا يعني بأن العلاقات بين الدول لم تكن موجودة لأننا بالرجوع الى التاريخ نجد بأن هناك علاقات مختلفة بين الدول تخضع لشيء من التنظيم ولكن ليس بالشكل الذي نعيشه في عصرنا الحالي.

ثانيا : التطور التاريخي للقانون الدولي:

1-القانون الدولي قديما:

من الأمور المسلمة أن الحضارات القديمة لم يكن بها ما يسمى بالنظام القانوني الدولي بالمفهوم الدقيق فقد كانت هناك  قواعد دينية  تنظم بعض العلاقات وبالرغم من قلة الوثائق التاريخية التي تبين موقف الحضارة القديمة من الأمور المتعلقة بالقانون الدولي وكذا العلاقات الدولية إلا أن هناك ما يشير إلى أن الحضارة القديمة عرفت البعض من قواعد القانون الدولي كالالتزام بالمعاهدات واللجوء إلى التحكيم كطريق لحل المنازعات سلميا، وذلك بحسب ما ورد في المعاهدة التي عقدت  بين دولة مدينة لاجاش من جهة ودولة مدينة أوما في العراق القديم من جهة أخرى، وأما في مصر فقد تم عقد معاهدة بين فرعون مصر وملك الحوثيين ،ولقد تضمنت المعاهدة أحكاما خاصة بالتعاون بين الدولتين، كما أنه تم اكتشاف مراسلات في مصر تؤكد وجود شبكة من العلاقات الدبلوماسية كان يقوم بها مبعوثون ملكيون .ولقد  بين قانون مانوكانت في الهند وجود قواعد دولية تتعلق بالمعاملة الإنسانية أثناء الحروب وكذلك الضمانات الواجبة لحماية الممثلين الدبلوماسيين وأن الالتزام بهذه القواعد دليل على تطور القانون .أما فيما يخص الحضارة اليونانية، فقد ساهمت في تكوين قواعد القانون الدولي العام، وذلك من خلال المعاهدات التي تم عقدها بين أثينا وأسبارة  وفي مدن يونانية أخرى، حيث كان هناك تبادل المبعوثين وأيضا اللجوء إلى التحكيم عند حدوث نزاع بينها، وكذا مراعاة القواعد الإنسانية كأسرى الحرب، وحرمة دور العبادة، وكذلك حماية من يلجأ إليها. ولقد تأثرت الحضارة الرومانية،في تاريخها بالحضارتين الشرقية والإغريقية فيما يخص المعاهدات.  

2-الدولة الإسلامية:

لقد كان للشريعة الإسلامية دورا وأثرا في العلاقات الدولية. فمع ظهور الاسلام قام المسلمون بتشييد دولة تميزت بالحضارة والتمدن، ولقد كانت المبادئ الأساسية لقوانينها، وحيا من السماء ولم تكن مبادئ من صنع الإنسان، فالشريعة الإسلامية شريعة لها أصولها وكذلك تاريخها، فقد قامت بتنظيم مجال التشريع والعلاقة بين البشر بعضهم بعضا. فالشريعة الإسلامية موجهة لجميع الناس دون تمييز في العرق أو اللون فهي تتميز بالعالمية، لأنها تهدف إلى إنشاء مجتمع إنساني واحد، ولقد قام الفقهاء المسلمين بتقسيم العالم إلى ثلاثة أقسام  لتنظيم العلاقات الدولية  بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى: 

-القسم الأول سمي بدار الإسلام:

وهو الإقليم الذي يكون تحت سيطرة وهيمنة المسلمين وإن كان سكانها غير مسلمين جميعا، ويدخل في ذلك الأقاليم التي تم فتحها بالقوة. 

-القسم الثاني سمي بدار العهد:

وهي الأقاليم التي يسكنها غير المسلمين وارتبطت بدار الإسلام بمعاهدة سلام أو تحالف طبقا  لشروط محددة وهذه الأقاليم تم فتحها عن طريق الصلح. 

-القسم الثالث سمي بدار الحرب:

وهي تلك الأقاليم التي أعلنت الحرب على دار الإسلام، ولا ترتبط مع دار الإسلام بمعاهدة سلام ويلحق بدار الحرب الاقاليم الإسلامية التي وقعت تحت سيطرة حكام ليسوا بمسلمين. ولقد قامت  الشريعة الإسلامية بوضع العديد من المبادئ المتعلقة بالعلاقات الدولية كمبدأ الوفاء بالعهد ومبدأ احترام الإنسان وكرامته، كما قامت الشريعة الإسلامية بتنظيم مسألة الدخول في المفاوضات مع الدول غير الإسلامية وهو ما يصطلح عليه في وقتنا الحالي بالعلاقات الدبلوماسية، وبالإضافة إلى ذلك ساهمت الشريعة الإسلامية بشكل واضح في القانون الخاص بالحرب، بحيث قامت بالتفريق بين المحاربين وغير المحاربين وحددت نظاما يبين كيفية التعامل مع أسرى الحرب.

3-أوروبا الحديثة:

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية حدثت مجموعة من الاضطرابات والصراعات، خاصة عندما قامت الكنسية بالتدخل في شؤون الدول الكاثوليكية والتسلط على الدول، وهو الأمر الذي أدى بالدول إلى الوقوف ضد الكنيسة، مما أدى إلى انتصار الدولة ونشوئها بالمفهوم الحديث، ونهاية ما يسمى بالعصر الوسيط في أوربا وبداية عصر النهضة. وهذه المرحلة ساهمت في تبلور القانون الدولي وذلك على النحو اآلتالي:
1-ظهر العديد من المفكرين والكتاب الأوروبيين في بداية عصر النهضة ساهموا في تطور القانون الدولي، ومن بين هؤلاء المفكرين والكتاب ميكيافيلي وجان بوران وفيتوريا وغروسيوس وفانثيل. 
2-بعد اكتشاف القارة الأمريكية توسعت العلاقات التجارية مما ساعد وساهم في خلق قواعد عرفية جديدة تتعلق بمبدأ حرية الملاحة البحرية والقواعد المنظمة لحرية التجارة البحرية.  
3-لقد تميزت هذه الفترة بظهور الدولة ذات السيادة والتخلص من الهيمنة البابوية والقضاء على الإقطاعية، وقيام حركة الإصلاح في الجال الديني، وقيام الدولة في فرنسا. 
4-بعد انتهاء اتفاقية وستفاليا للعام 1648م  وصفت  بأنها الميثاق الدستوري لأوروبا، ولقد وضعت الاتفاقية الأسس التي قام عليها القانون الدولي التقليدي وهي كالتالي: 
-ظهور الدول ذات السيادة التي كان باستطاعتها الدخول في علاقات دولية تمكنها من وضع قواعد القانون الدولي،وقد كانت هذه الدول ذات السيادة محصورة في الدول الأوربية المسيحية.
-الاعتراف بمبدأ المساواة بين الدول الأوروبية المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية بعد تخلصها من السيادة الدينية البابوية. 
-العمل بمبدأ التوازن الدولي للمحافظة على السلم في أوربا. 
-اعتماد السفارات الدائمة عوضا عن السفارات المؤقتة، وهذا يعني توثيق العلاقات بين الدول، حيث تم عقد العديد من المؤتمرات، المتعلقة بالقواعد الخاصة بالحرب والحياد ووضعت القواعد الخاصة بتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية. كمؤتمر فيينا 1815م، ومؤتمر لاهاي الأول لعام 1899م ومؤتمر لاهاي الثاني لعام 1907م.
-إبرام المعاهدات الدولية بشكل مستمر لأهميتها في العلاقات الدولية وحل المشاكل والخلافات بين الدول. 
5-ساهم تطور المجتمع الدولي في تطوير قواعد القانون الدولي وذلك من خلال إنشاء المنظمات الدولية وكانت البداية من خلال إنشاء ما يسمى عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان الهدف منها هو تنظيم المجتمع الدولي تنظيما جماعيا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945م تم انشاء منظمة الأمم المتحدة وقد صدرت العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنظم العلاقات الدولية منذ نشأتها. 
6-لقد أدى التطور العلمي والتكنولوجي واكتشاف الطاقة الذرية واكتشاف بعض ما في أعماق البحار والتقدم الصناعي إلى ضرورة وضع قواعد قانونية تعالج المشاكل الدولية.

ثالثا: أهمية القانون الدولي العام:

تتجلى أهمية القانون الدولي فيما يلي:
-أصبحت دراسة القانون الدولي العام ومعرفته ضرورة لا غنى عنها في هذا العصر، فهو القانون الذي يعنى بشؤون المجتمع الدولي المستقل والمنفصل عن المجتمع الوطني أو الداخلي.
-لا يقتصر القانون الدولي العام على تنظيم العلاقات بين الدول فقط، بل يشمل أيضا العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية، وبين الدول والكيانات التي لا تعتبر دولا.
-يهتم القانون الدولي العام بحقوق وحريات الأفراد الأساسية، بالإضافة إلى تعزيز التواصل بين الشعوب.
-ضرورة التعاون الدولي، مع تشابك مصالح الدول، أصبح من الصعب على أي دولة أن تعيش بمعزل عن العالم.
-تحتاج الإكتشافات العلمية التي تعود بالنفع على الإنسانية إلى استقرار في العلاقات الدولية وتعاون دولي .
-في ظل عالم مترابط ومعقد، يمثل القانون الدولي العام إطارا حيويا لتنظيم العلاقات بين الدول والجهات الفاعلة الأخرى على الساحة الدولية.
-يلعب دورا حاسما في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون في مجالات مثل التجارة وحقوق الإنسان والبيئة.
-يساهم في حل النزاعات الدولية بشكل سلمي وعادل، ويحدد المسؤوليات القانونية للدول والمنظمات الدولية.
-يضمن القانون الدولي العام أن تكون العلاقات بين الدول مبنية على أسس قانونية، مما يعزز الإستقرار والعدالة في المجتمع الدولي.
بشكل عام، يمكن القول إن القانون الدولي العام يساهم في جعل العالم أكثر استقرارا وعدلا، ويضمن أن تكون العلاقات بين الدول مبنية على أسس قانونية ولكن لا يتحقق هذا كله إلا إذا تم إحترام القانون الدولى من طرف الجميع.

رابعا: خصائص القانون الدولي العام:

تتجلى خصائص القانون الدولي العام فيما يلي:
1-القانون الدولي قانون حديث النشأة فقد نشأ بعد قيام الدولة الحديثة في منتصف القرن السادس عشر. 
2-يستند القانون الدولي على مبدأ سيادة الدول والمساواة فيما بينها.
3-تطور مبدأ سيادة الدولة في عصر التنظيم الدولي بحيث أصبح ينظر إلى السيادة على أنها فكرة قانونية محدودة نابعة من القانون الدولي وخاضعة له، وبالتالي يجب على الدولة أن لا تتجاوز   صلاحياتها الحدود التي رسمتها.
4-اتسم القانون الدولي بالرضائية، فأحكامه لا تنشأ إلا بإرادة توافقية من قبل الدول المخاطبة به. 
5-اختصاص القضاء الدولي في النزاعات الدولية اختياري فالقضاء الدولي لا يتدخل في أي نزاعات بين الدول إلا بموافقتها وذلك على عكس الوضع في القضاء الوطني.
6-القانون الدولي كان ولا يزال متأثرا في تطوره بالعوامل السياسية، فإنشاء قواعد القانون الدولي عن طريق المعاهدات مثل الأمور المعقدة بسبب الصراعات والتكتلات السياسية. 

خامسا: فروع القانون الدولي العام:

1-قانون التنظيم الدولي:

-ينظم إنشاء المنظمات الدولية وأهدافها وعلاقاتها بالدول والمنظمات الأخرى.
-نشأ حديثا مقارنة بالقانون الدولي العام، وتطور مع ظهور عصبة الأمم والأمم المتحدة.
-يهدف إلى إقامة نظام دولي يحقق التعاون بين الدول.

2-القانون الدولي لحقوق الإنسان:

-يهدف إلى حماية حقوق الإنسان الأساسية وكرامته.
-تطور عبر التاريخ، وتأثر بالأديان السماوية والفلسفات والقوانين الوطنية.
-يشمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
-توجت جهوده بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

3-القانون الدولي الاقتصادي:

-ينظم العلاقات الاقتصادية الدولية بين الدول.
-نشأ عقب الحرب العالمية الأولى لتنظيم العلاقات المالية والنقدية.
-ساهم في إنشاء مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

4-القانون الدولي للتنمية:

-يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية.
-ظهر نتيجة للتفاوت الاقتصادي بين الدول المتقدمة والنامية.
-يشمل قواعد تنظم العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول.
-لقد تم إنشاء مؤسسات متخصصة بهذا المجال مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

5-القانون الدولي الإنساني:

-يهدف إلى حماية الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة.
-يسعى إلى تحقيق التوازن بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية.
-تطور بفضل جهود الحركة الدولية للصليب الأحمر واتفاقيات جنيف.

6-القانون الدولي للبيئة:

-يهدف إلى حماية البيئة من التلوث والتدهور.
-هو فرع جديد ومتطور من القانون الدولي.
-تلعب قرارات المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، دورا هامًا في تطوير هذا الفرع.
ويعرف القانون الدولي للبيئة بأنه مجموعة القواعد ومبادئ القانون الدولي العام التي تنظم نشاط الدول في مجال منع و تقليل الأضرار المختلفة، التي تنتج من مصادر مختلفة من المحيط البيئي أو خارج حدود السيادة الإقليمية. 
لقد تطور القانون الدولي العام ليشمل فروعا جديدة تواكب التغيرات في العلاقات الدولية. وتهدف هذه الفروع إلى تحقيق التعاون الدولي وحماية الإنسان والبيئة كما تلعب المنظمات الدولية دورا هاما في تطوير وتطبيق هذه الفروع.
-----------------------------------
لائحة المراجع:
-الوسيط في القانون الدولي العام للدكتورمحمد نصر محمد.
-القانون الدولي العام للدكتور يوسف البحيري.
-مبادئ القانون الدولي العام للدكتور طالب رشيد يادكار.
-اتفاقية وستفاليا للعام 1648م .
-محاضرات في مادة القانون الدولي العام للأستاذة سهام السهولي.
تعليقات