سوف يكون موضوع هذه المقالة عن تعريف الخطبة والطبيعة القانونية للخطبة وشروطها وذلك وفق المنهجية التالية:
أولا: تعريف الخطبة:
ثانيا: الطبيعة القانونية للخطبة:
ثالثا: شروط الخطبة:
الشرط الأول: يجب أن تكون المرأة صالحة لأن يعقد عليها في وقت الخطبة:
الشرط الثاني: يجب ألا تكون المرأة مخطوبة للغير:
أولا: تعريف الخطبة:
عرفت مدونة الأسرة الخطبة في المادة الخامسة بقولها:
"الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج .
تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت العادة والعرف من تبادل الهدايا".
يتبين من التعريف ما يلي:
-يؤكد هذا التعريف على أن الخطبة هي اتفاق مبدئي بين الطرفين على الزواج في المستقبل.
-يشير هذا التعريف إلى أن الخطبة لا تتطلب شكلا معينا، بل يمكن أن تتم بأي وسيلة متعارف عليها في المجتمع، سواء كانت قولية أو فعلية، طالما أنها تدل على الإتفاق على الزواج.
-هذا التعريف يوضح أن بعض العادات والتقاليد، مثل قراءة الفاتحة وتبادل الهدايا، تعتبر جزءا من الخطبة وعرفا اجتماعيا مرتبطا بها.
-يشير التعريف كذلك إلى مبدأ المساواة بين الطرفين بين الرجل والمرأة في هذا الأمر حيث أن الخطبة تواعد وليست وعدا فقط من طرف واحد.
-الخطبة تتم بالإتفاق بين الخاطب والمخطوبة هذا يعني أن الخطبة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة الطرفين، مما يعزز مبدأ المساواة بينهما.
ثانيا: الطبيعة القانونية للخطبة:
-الخطبة عبارة عن إتفاق على إنشاء رسم الزواج في المستقبل وهذا يشير إلى أن الخطبة ليست هي الزواج، بل هي مجرد اتفاق على إبرام عقد الزواج في المستقبل.
-لا يترتب عليها آثار الزواج القانونية، مثل الحقوق والواجبات الزوجية.
بشكل عام، يظهر التعريف أعلاه أن الخطبة هي مرحلة مهمة في العلاقة بين الرجل والمرأة، وهي تعكس مبادئ المساواة والإتفاق المتبادل بين الطرفين. كما أنها تعتبر تمهيدا للزواج، ولكنها لا تحمل نفس الآثار القانونية للزواج.
ثالثا: شروط الخطبة:
الشرط الأول : يجب أن تكون المرأة صالحة لأن يعقد عليها في وقت الخطبة:
والمقصود بهذا الشرط هو أنه لا يجوز للرجل خطبة المرأة المحرمة سواء كانت محرمة تحريما مؤبدا أو مؤقتا.
لا يجوز له أن يخطب أمه أو أخته أو بنته أو خالته، لأنهن محرمات حرمة مؤبدة. كما لا يجوز له أن يخطب امرأة في عصمة زوج آخر ولا مشركة ولا معتدة ما دام سبب التحريم قائما، فإذا زال سبب التحريم كما لو أسلمت المشركة، أو طلق الزوج زوجته وانقضت عدتها، فإنه تجوز الخطبة.
أ-المقصود بالمرأة المعتدة:
ويقصد بالمعتدة المرأة التي في فترة العدة، بحيث وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب انفصالها عن الزوج أو بسبب وفاته. ففي هذه الحالة لا يجوز للرجل أن يخطب معتدة الغير مطلقا، سواء كانت معتدة بالوفاة أو الطلاق، رجعيا كان أم بائنا.
=المعتدة من طلاق رجعي:
لا يجوز خطبة امرأة معتدة من طلاق رجعي لأنها زوجة الغير. فالطلاق الرجعي لا ينهي العصمة الزوجية ولا يفصم عراها، وإنما يكون من حق الزوج أن يراجع زوجته في فترة العدة دون حاجة إلى أي إجراء آخر. فالخطبة في هذه الفترة تعتبر اعتداءً صريحا على حق الزوج في مراجعة زوجته.
=المعتدة من طلاق بائن:
تحرم خطبة المعتدة من طلاق بائن لأنه تعلق بها بعض الحقوق المكتسبة للغير، وهذا متفق عليه بين الفقهاء. ولكن الخلاف حول التعريض بالخطبة بالنسبة للمعتدة من الطلاق البائن، أي إشعارها قولا أو فعلا بالرغبة في خطبتها مستقبلا بعد انتهاء العدة، كأن يطلب الرجل من المعتدة بأن تخبره عند إنتهاء العدة، أو يسألها عن تاريخ إنتهائها وما إلى ذلك من العبارات التي يفهم منها التلميح للمعتدة بأنه يريد خطبتها بعد نهاية العدة، وتفهم هي ذلك على سبيل الإحتمال وليس اليقين.
ولذلك اختلف الفقهاء في إمكان التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن:
-المذهب الحنفي:
ذهب الحنفية إلى أن المعتدة من طلاق بائن لا يجوز التعريض بخطبتها، واستدلوا على ذلك بأن مثل هذا التعريض قد يفتح الباب أمام المرأة لإدعاءات كاذبة بأن عدتها قد انتهت بمجرد سماعها التعريض. كما أن هذا الأمر يقطع الطريق على المطلق الذي له الحق في الطلاق البائن بينونة صغرى في إرجاع زوجته.
-المذهب المالكي والحنابلة:
أما المالكية والحنابلة، فإنهم وإن منعوا خطبة المعتدة من طلاق بائن، فإنهم أجازوا التعريض بهذه الخطبة لعموم قوله تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾.
-المذهب الشافعي:
أما الشافعية فلهما قولان أحدهما يوافق الحنفية في المنع من التعريض، والثاني يوافق المالكية والحنابلة في قولهم بإجازة التعريض.
-الفقه القانوني المعاصر:
ذهب الفقه القانوني المعاصر إلى أنه يجب النظر إلى طبيعة الطلاق البائن، هل هو بائن بينونة كبرى أم بينونة صغرى، فالطلاق البائن بينونة كبرى هو الطلاق المكمل للثالث، تنفك به العلاقة الزوجية نهائيا، ولا تحل للزوج الأول إلا بعد أن تتزوج زوجا آخر، في هذه الحالة يجوز التعريض في فترة العدة ما دامت عرى الزوجية انفصلت تماما. أما الطلاق البائن بينونة صغرى فهو ينهي العلاقة الزوجية، ولكنه لا يفصم عراها، بل يمكن للزوجين مراجعة بعضهما البعض والعودة لإستئناف الحياة الزوجية بعقد ومهر جديدين، ولذلك لا يجوز التعريض في هذه الحالة.
=المعتدة من وفاة:
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز التصريح بخطبة المرأة المعتدة من وفاة، لأن ذلك يولد العداوة والحقد والضغينة بين الخاطب وأهل الزوج المتوفى، كما أن ذلك قد يزيد من ألم الزوجة، ويجرح إحساسها وشعورها وهي حديثة العهد بفراق زوجها، ولكن هذه الإعتبارات في جوهرها إعتبارات أدبية فقط، والعدة ستنتهي حتما بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى أباح في هذه الفترة التعريض بالخطبة دون التصريح بها، وفي ذلك يقول عز وجل: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾.
الشرط الثاني: يجب ألا تكون المرأة مخطوبة للغير:
مفهوم هذا الشرط هو أنه لا يجوز للرجل خطبة إمرأة مخطوبة للغير ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته" وقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن أخ المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر".
وهذه الحالة لا تخلو من الإحتمالات الآتية:
=أن تجد الخطبة الأولى القبول والترحاب، فالخطبة الثانية في هذه الحالة تكون محرمة بلا نقاش وتنطبق عليها النصوص السابقة، فالخطبة الثانية هنا إعتداء واضح على حق الخاطب الأول.
=أن ترفض الخطبة الأولى وبعد هذا الرفض يتقدم خاطب آخر، فالخطبة الثانية هنا جائزة باتفاق.
=حالة التردد بين القبول والرفض، ولقد اختلف الفقهاء في هذه الحالة، فذهب رأي في الفقه إلى أنه لا يحل للخاطب الثاني أن يتقدم لأنه يجوز أن يكون هناك قبول، فللخاطب الأول بعض الحق، إذ قد تقبل خطبته لو لم يتقدم الخاطب الثاني، وبالتالي فالحكمة من المنع ظاهرة وهي عدم التعدي على حقوق الغير، وذهب فريق آخر من الفقهاء إلى إباحة خطبة الثاني لأن عدم إظهار القبول بالنسبة للأول دليل على رفض الخطبة، أو على الأقل لم يثبت له حق.
-----------------------------------------
لائحة المراجع:
-مدونة الأسرة المغربية.
-كتاب الزواج و انحلاله في مدونة الأسرة للدكتور محمد الشافعي.