الفقرة الأولى: أنواع الأشخاص المعنوية:
يميز عادة بين نوعين من الأشخاص المعنوية، الأشخاص المعنوية الخاصة والأشخاص المعنوية العامة، معيار التمييز بينهما قائم على أساس النظام القانوني الذي تخضع له كل من الفئتين.
أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة:
تخضع الاشخاص المعنوية الخاصة إلى أحكام القانون الخاص، وتتكون من مجموعات أفراد أو مجموعات أموال تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة للأشخاص المكونين لها. فالشركة مثلا تتميز بكونها عبارة عن شخص معنوي ينشأ عن عقد موضوعه تحقيق الأرباح أو تقاسمها، وفي بعض الأحيان يكون الهدف من خلق الشخص المعنوي تحقيق أهداف غير تتقاسم الأرباح مثل النقابات التي تتوخى الدفاع عن المصالح المهنية لذا اعترف لها القانون بأهلية واسعة، أو الجمعيات التي عرفها المشرع المغربي في الفصل الأول من ظهير 15 نونبر 1958 بأنها "اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين وعدة اشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم وتسري عليها فيما يرجع لصحتها القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات.
ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة:
تخضع الأشخاص المعنوية العامة لأحكام القانون العام، وتهدف الصالح العام، وتتميز بحيازة امتيازات السلطة العامة، وخضوعها للوصاية الناتجة عن استقلالها، وتنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين:
1-الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية أو الترابية:
وهي عبارة عن وحدات ترابية أو جغرافية تتمتع بالشخصية المعنوية، تضم مجموعة من الأفراد أو السكان، وتختص في تسيير قضايا وطنية أو محلية. وهي نوعين الدولة والجماعات الترابية.
أ-الدولة:
توجد الدولة على رأس الأشخاص المعنوية العامة الترابية وتباشر اختصاصاتها على مجموع التراب الوطني.
وتعتبر الدولة من أشخاص القانون العام الأساسية، فهي التي تعطي الشخصية المعنوية لباقي الأشخاص وقد انقسم الفقهاء قديما إلى مذهبين مذهب ينكر أن يكون للدولة شخصية معنوية، ومذهب آخر يعترف لها بهذه الشخصية المعنوية والمذهب الأخير هو السائد حاليا لاتفاقه مع المنطق القانوني المرتكز على الإعتبارات التالية:
-استمرار شخصية الدولة رغم تغير حكامها أو نظام الحكم فيها أو تعاقب الحكومات.
-وجود ذمة مالية مستقلة للدولة متميزة عن الذمم المالية الشخصية لحكام الدولة.
-منحها الشخصية المعنوية لباقي الأشخاص.
كما يتأكد هذا الرأي انطلاقا من التطبيقات العملية على مستوى المجتمـع الدولي فالشخصية المعنوية هي ركن من أركان القانون الدولي العام.
وإذا كان الدستور المغربي لا ينص صراحة على تمتع الدولة بالشخصية المعنوية، إلا أنه يتضمن العديد من النصوص التي تعترف لها ضمنيا بالشخصية المعنوية من ذلك ما جاء الدستور المغربي لسنة 2011 من أن:
-المملكة المغربية دولة اسلامية ذات سيادة كاملة ومن نتائج السيادة الاستقلال في إتخاذ القرار السياسي، وهو مظهر من مظاهر الشخصية المعنوية.
-الدولة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية تتعود بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات.
-المملكة المغربية الدولة الموحدة ذات السيادة الكاملة.
وهكذا نرى أن الدولة تتمتع بنتائج الشخصية المعنوية وبالاستقلال وبالواجبات والحقوق.
ب-الجماعات الترابية:
خصص الدستور المغربي لسنة 2011 الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية الأخرى.
والجماعات الترابية طبقا للفصل 135 من الدستور هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات وهي أشخاص اعتبارية تخضع للقانون العام وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.
وتختلف هذه الأشخاص المعنوية العامة عن الوحدات الترابية الأخرى كالقيادات وملحقات القيادات والدوائر والمقاطعات الحضرية داخل المدن لأن هذه الأخيرة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، بل تبقى مجرد مصالح خارجية وتقسيمات إدارية تابعة للإدارة المركزية.
وجدير بالذكر أيضا أن الولايات رغم التنصيص عليها في المراسيم المتعلقة بالتقسيم الإداري للمملكة منذ 1981، لم يدرجها المشرع ضمن الجماعات الترابية ولم يصدر أي قانون ينظمها أو يعترف لها بالشخصية المعنوية كما أن المجموعات الحضرية التى كانت في السابق جماعات ترابية تم إلغاء نظامها منذ صدور القانو رقم 78,00 المتعلق بالتنظيم الجماعي.
وعليه، فالجماعات الترابية وحدات جغرافية متمتعة بالشخصية المعنوية، وتمارس اختصاصات محددة من قبل المشرع لها علاقة بالشؤون المحلية تحت وصاية السلطات المركزية، وتنتخب هذه الجماعات مجالس تتكفل بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق الشروط التي يحددها القانون مع الإشارة أن الدستور نص على أن مجالس الجهات والجماعات تنتخب بالاقتراع العام المباشر.
ولقد أحال الدستور بشأن تفاصيل انتخاب أعضاء هذه الجماعات الترابية على القانون التنظيمي رقم 11.59 المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية.
2-الأشخاص المعنوية المرفقية أو المصلحية:
وتسمى أيضا بالمؤسسات العمومية، وهي عبارة عن مرافق تقوم بإدارة الأنشطة المسندة إليها قانونا تحت وصاية الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية الترابية الأخرى. مع الإعتراف لها بالشخصية المعنوية العامة والإستقلال المالي والإداري.
وعموما فهي تشمل كل منظمة أو هيئة عمومية متمتعة بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري، مكلفة بإدارة نشاط من الأنشطة التي تدخل في إطار المرافق العمومية مع خضوعها للوصاية الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية الإقليمية.
ويشترط لقيام المؤسسة العمومية توافر أربع شروط:
-وجود مرفق عام يدار تحت رقابة هيئة عامة.
-التخصص في نشاط محدد.
-الاعتراف للمرفق العام بالشخصية المعنوية التي تحقق له الاستقلال المالي والإداري.
-الخضوع للوصاية الإدارية.
وتتنوع المؤسسات العمومية حسب الجهة التي تختص بأحداثها بين المؤسسات العمومية الوطنية التي تحدثها السلطة التشريعية طبقا للفصل 71 من الدستور والمؤسسات العمومية المحلية التي تختص بإحداثها المجالس الإقليمية أو الجماعية المعنية بالأمر أو بحسب الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها ونوع الوظائف التي تقوم بها إلى: مؤسسات عمومية اقتصادية، إدارية ونقابية، علمية وثقافية ومهنية.
فعلى سبيل المثال وفقا للقانون رقم 01.10 المتعلق بتنظيم التعليم العالي تحدث الجامعات بقانون طبقا للفصل 46 من الدستور وتعتبر مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال الإداري والمالي، وتخضع لوصاية الدولة التي تضمن تقيد الأجهزة المختصة في هذه الجامعات بأحكام هذا القانون خصوصا ما يتعلق بالمهام المسندة إليها والسهر فيما يخصها بوجه عام على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العمومية.
كما أن غرف التجارة والصناعة والخدمات طبقا للقانون رقم 38.12 المتعلق بالنظام الأساسي لغرف التجارة والصناعة والخدمات تعد مؤسسات عمومية ذات طابع مهني تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي وتخضع لوصاية الدولة لضمان تقيدها بأحكام القانون والحرص على تطبيق النصوص التشريعة والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العمومية والمراقبة المالية للدولة.
الفقرة الثانية:أركان الشخصية المعنوية:
لقيام الشخصية المعنوية لابد من توافر أربعة أركان أساسية وهي:
أولا :وجود مصالح مشتركة:
ثانية: ارتباط هذه المصالح فيما بينها:
ثالثا: وجود إرادة موحدة:
رابعا: إعتراف المشرع:
أولا :وجود مصالح مشتركة:
إن الاعتراف لاي تجمع بالشخصية المعنوية يستلزم وجود قواسم مشتركة بين الأشخاص المكونين له أي مصالح تختلف باختلاف الوظيفة التي ستسند لهذا الكائن الاعتباري الجديد، فقد تكون تلك القواسم سياسية كالأحزاب السياسية أو اقتصادية كالشركات أو اجتماعية بالجمعيات.
ثانيا: إرتباط هذه المصالح فيما بينها:
يندرج هذا الركن في إطار ما يعرف بالتخصص حيث تتميز وظيفة كل شخص معنوى عن وظيفة الشخص المعنوي الآخر، هكذا تتولى الدولة إنجاز مهام وطنية فيما تتكفل الجماعات الترابية بتدبير الشؤون المحلية وتستهدف الشركات تحقيق الربح أما الجمعيات فهدفها هو تحقيق أغراض اجتماعية ومصلحية.
وطبقا لمقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 تساهم المنظمات النقابية للأجراء والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين في الدفاع عن الحقوق واامصالح الاجتماعية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها.
ثالثا: الإرادة الموحدة:
أي إرادة الشخص المعنوي التي تترجم بوجود آليات وهياكل تنظيمية تتصرف باسم الشخص المعنوي في جميع المجالات، فإرادة الشخص تتجلى في تلك الأعمال والتصرفات المادية والقانونية التي توكل للأجهزة المقررة والمنفذة للشخص المعنوي تبعا لقوانينه الداخلية أو القوانين التي قررها المشرع فالجمعية مثلا تعبر عن إرادتها من خلال الهياكل المنصوص عليها في القانون المؤسس لها والتي تتمثل غالبا في المكتب المسير الذي يتكون على الأقل من الرئيس ونائب الرئيس وأمين المال، ومختلف اللجان الاستشارية.
رابعا: اعتراف المشرع:
يعتبر هذا الركن عماد قيام الشخصية المعنوية، عامة كانت أو خاصة رغم أن البعض يذهب في اتجاه عدم الإعتراف بهذا الركن بالنسبة لجميع الأشخاص المعنوية في حين يحصر البعض الآخر عدم الإعتراف على الشخص المعنوي الخاص دون الشخص المعنوي العام، بدعوى أنها تقتسم السلطة مع الأجهزة العمومية داخل الدولة.
ومع ذلك يعتبر الإعتراف بمثابة شهادة الميلاد بالنسبة للمولود الجديد وهو يتم بإحدى الوسيلتين التاليتين:
1-الاعتراف الخاص:
أي الإقرار من قبل المشرع لمجموعة من الأشخاص أو الأموال بالشخصية المعنوية وهذه الوسيلة هي الطريقة الأكثر شيوعا لولادة الأشخاص المعنوية العامة كالمؤسسات العمومية والجماعات الترابية.
2-الاعتراف العام:
أي أن يضع المشرع قانونا عاما لولادة الشخص المعنوي يتضمن شروط ازدياده وهذه هي الطريقة المتعارف عليها بالنسبة لإحداث الأشخاص المعنوية الخاصة.
--------------------------------------
لائحة المراجع:
=القانون الإداري للأستاذ عبد الحق عقلة.
=القانون رقم 38.12 المتعلق بالنظام الأساسي لغرف التجارة والصناعة والخدمات.
=القانون الإداري للأستاذ جورج فودال وبيار دلفوفي.
=المختصر في القانون الإداري المغربي للأستاذ عبد القادر باينة.
=الظهير الشريف رقم 1.58.376 المتعلق بتأسيس الجمعيات.
=دستور المملكة المغربية.
=الوجيز في التنظيم الإداري المغربي للأستاذ أحمد أجعون.