أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

أولا: طبيعة القانون الدولي العام:

لقد اختلف فقهاء القانون الدولي منذ بداية نشوء القانون الدولي حول مدى إمكانية اعتبار قواعده قانونية بالمعنى الدقيق. ويعود السبب في ذلك إلى فكرة القانون التي ارتبطت بفكرة الجزاء الواجب التطبيق عند مخالفة قاعدة قانونية من قواعده، وبوجود سلطة تسمو على إرادة المخاطبين بأحكامه وضمان احترامها إذا اقتضى ذلك.
هناك اتجاه آخر من الفقهاء يرى أن قواعد القانون الدولي العام ليست قواعد قانونية، وإنما يمكن اعتبارها مجموعة من قواعد الأخلاق والمجاملات الدولية التي تتبعها الدول في علاقاتها، وأن خروجهم عليها لا يعتبر خروجا عن القانون. ويستندون في تبرير وجهة نظرهم إلى القول بأنه يلزم لوجود قاعدة قانونية ضرورة صدورها من قبل سلطة تشريعية، وأن يكون لها جزاء، وأن تكون هناك سلطة تشريعية تتولى تطبيقها.

وقد كانت حججهم على النحو الآتي:

1-صدور القاعدة القانونية عن سلطة تشريعية:

من المعروف أن القانون مستقل عن وجود المشرع وهو غير مرتبط به، ويفترض عدم الخلط بين التشريع والقانون. فالتشريع يعتبر أحد مصادر القانون، فوجود القانون يسبق وجود السلطة التشريعية.
إذا ما أخذنا بوجهة نظرهم المنكرة لقواعد القانون الدولي واعتبرنا أن القواعد القانونية محصورة في مصدر واحد هو التشريع أو ما يصدر عن السلطة التشريعية، فإننا بذلك ننكر وجود بقية مصادر القاعدة القانونية الأخرى.
وبالتالي يمكن اعتبار ما يصدر عن السلطة التشريعية يشكل أحد مصادر القاعدة القانونية إلى جانب مصادر أخرى مثل: القضاء والفقه والعرف ومبادئ العدالة.

2-اشتراط وجود السلطة القضائية:

من المعروف أن مهمة القاضي تنحصر في تطبيق القانون، فهو لا يتدخل في مسألة وضع أو سن قواعد القانون الدولي.
وإنما يعتبر أداة لتسوية النزاعات بين الدول سواء عن طريق التحكيم الدولي أو عن طريق محكمة العدل الدولية والتي تعمل وفق نظامها الأساسي الملحق بميثاق الأمم المتحدة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ولاية القضاء الدولي غير إجبارية على عكس النظام القضائي الوطني، والذي يرجع في حقيقة الأمر إلى اختلاف ظروف المجتمع الدولي عن الظروف السائدة في المجتمعات الوطنية.

3-الجزاء:

اعتبر جانب كبير من فقهاء القانون ضعف الجزاء أو عدم كفايته لا يؤثر في وجود القانون، وذلك لأن وظيفة الجزاء هي ضمان تنفيذ القانون.
ويعرف الجزاء بأنه رد فعل المجتمع اتجاه أحد أشخاصه نتيجة لمخالفته القانون.
أما فيما يتعلق بالقانون الدولي فهو يعرف صورا متعددة من الجزاءات مثل عدم الإعتراف بدولة أو بتصرف يتضمن مخالفة لأحكام القانون الدولي.
وكذلك الجزاءات الإقتصادية والسياسية التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة في فصله السادس، وكذلك الجزاء العسكري المتمثل في حق الدولة المعتدى عليها في استخدام القوة لصد عدوان طبقا للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
وبالتالي فإن القانون الدولي هو في موضع احترام من دول العالم كافة، ولم يحدث أن نازعت دولة على الإطلاق في وجود القانون الدولي أو في التزامها به قانونا.

ثانيا: أساس الإلتزام بالقانون الدولي العام:

تعتبر قواعد القانون الدولي قواعد قانونية بالمعنى الدقيق، ولكن عند البحث عن أساسها القانوني نجد تعددا لآراء الفقهاء وتنوعا لنظرياتهم فيما يتعلق بهذا الخصوص.
وسوف نتعرف هنا على أبرز الإتجاهات وهي تختصر في اتجاهين هما:

1-المذهب الإرادي:

يرى أن أساس التزام الدول بقواعد القانون الدولي يعود إلى إرادة الدول نفسها.
أنصار هذا المذهب هم الفقهاء الألمان، ويستندون في مذهبهم إلى المقولة التي تشير إلى أن القواعد القانونية هي نتاج الإرادة، فهي التي تخلق القانون وهي التي تخضع له.
إلا أن أنصار هذا المذهب اختلفوا في تفسيرهم لظاهرة التزام الدول بقواعد القانون الدولي، وانقسموا إلى فريقين الأول هو مذهب التقييد الذاتي للإرادة والمذهب الثاني مذهب الإرادة المشتركة.

أ-مذهب التقييد الذاتي للإرادة:

مضمون هذه النظرية أن القانون الدولي يستمد قوته الملزمة من إرادة كل دولة على انفراد، لأن الدولة في وجهة نظرهم تتمتع بالسيادة الكاملة ولا تخضع لأية سلطة عليا، وبالتالي لا يمكن أن تقيد إرادة الدولة سلطة خارجية عنها.
قد يعجبك ايضا

=الإنتقادات الموجهة لهذا المذهب:

يؤخذ على هذه النظرية الانتقادات الآتية:
-أنها لا تتفق مع أبسط المبادئ القانونية، إذ كيف يقال أن أساس القوة الملزمة للقانون هي إرادة الخاضعين لأحكامه في حين أن مهمة القانون الأساسية تقييد هذه الإرادة.
-أن الأخذ بها يؤدي إلى انهيار القانون الدولي وإلى عدم الإستقرار والثبات، وهي من أهم معوقات النظام القانوني.

ب-مذهب الإرادة المشتركة:

يرى أنصار هذا المذهب أنه لا يمكن الإستناد إلى الإرادة المنفردة لكل دولة لإضفاء صفة الإلتزام على قواعد القانون الدولي، وذلك لأن الإرادة المنفردة لا يمكن أن تلزم إرادات الدول الأخرى.
ولكي تلتزم الدول وتخضع للقواعد القانونية لابد من اجتماع إرادتها بصورة مشتركة، وهذه الإرادة المشتركة هي التي تعلو في السلطة على الإرادات المنفردة.

=الإنتقادات الموجهة لهذا المذهب:

ويؤخذ على هذه النظرية الإنتقادات الآتية:
-أن الأخذ بها يؤدي إلى انهيار القانون الدولي.
-لا يقدم هذا المذهب تفسيرا مقنعا حول التزام الدول الحديثة الإستقلال بقواعد القانون الدولي التي لم تشترك في وضعها وتم إقرارها قبل نشوئها.

2-المذهب الموضوعي:

بسبب الإنتقادات التي وجهت إلى مذهب الإرادة، فقد حاول فقهاء القانون أن يقيموا أسانيد التزام الدول بقواعد القانون الدولي على عوامل خارجة عن إرادة الدول المكونة لها، وذلك على أساس أن التقيد بقاعدة ما هو إلا نتيجة لعوامل خارجية مستقلة عن إرادة من يخضعون لهذه القاعدة أو من يضعونها.
وقد اختلف أنصار هذا المذهب فيما بينهم حول تحديد العوامل الخارجية التي يستند إليها قواعد القانون الدولي وانقسموا إلى فريقين هما: المدرسة النمساوية أو نظرية تدرج القواعد القانونية، والمدرسة الفرنسية أو نظرية التضامن الاجتماعي.

أ-المدرسة النمساوية (نظرية تدرج القواعد القانونية):

يرى أنصار هذه النظرية أن لكل نظام قانوني قاعدة أساسية تنظم أحكامه وتستمد منها هذه الأحكام قوتها الملزمة.
والقاعدة القانونية لا تستمد قوة إلزامها إلا من قاعدة قانونية أخرى تعلوها.
وفي رأي أصحاب هذا المذهب أن هذه القاعدة هي قاعدة قدسية الإتفاق أو الوفاء بالعهد وهي أساس الإلتزام بقواعد القانون الدولي.

=الإنتقادات الموجهة لهذا المذهب:

ويؤخذ على هذه النظرية الآتي:
-إن هذه النظرية تقوم على مجرد افتراض غير قابل للإثبات.
-دعاة هذه النظرية لا يوضحون المصدر الذي تستمد منه القاعدة الأساسية وجودها وقوة إلزامها.

ب-المدرسة الفرنسية (نظرية التضامن الإجتماعي):

يرى أنصار هذه النظرية أن قواعد القانون تستمد إلزامها من ضرورات التضامن الإجتماعي، ذلك لأن كل جماعة يتوجب عليها أن تكون لها قواعد خاصة بها.
فأساس كل قانون بما في ذلك القانون الدولي هو التضامن الإجتماعي والمحافظة عليه.

=الإنتقادات الموجهة لهذه النظرية:

ويؤخذ على هذه النظرية ما يلي:
-أنه لا يمكن أن يكون أساس القانون في التضامن الإجتماعي وضرورة المحافظة على حياة الجماعة وبقائها، ذلك لأن وجود الجماعة الإنسانية سابق على حياة الجماعة وبقائها ولكنها لا تصلح أساسا لقيامه.
-----------------------------------
لائحة المراجع:
-الوسيط في القانون الدولي العام للدكتورمحمد نصر محمد.
-القانون الدولي العام للدكتور يوسف البحيري.
-مبادئ القانون الدولي العام للدكتور طالب رشيد يادكار.
-محاضرات في مادة القانون الدولي العام للأستاذة سهام السهولي.
تعليقات